اتفق علماء الجغرافيا على أن الاتجاهات أربعة، وذلك قبل أن توجد جهة خامسة يعيش فيها كثيرٌ من الناس وخصوصًا المسلمين.. إنها الجهة المنسية. كثيرةٌ هي جراحات هذه الأمة، ومن كثرتها أصبح بعضها يُنسِي بعضًا، وكلما جاء جرح أنسانا الذي قبله، حتى أصبحنا نجرح وربما لا نشعر حتى بالطعنة الأولى. تركستان الشرقية هذا هو اسمها، أرض الأتراك، بلدٌ مسلم فتيّ، دخلها الإسلام في نهايات القرن الأول على يد المسلمين الفاتحين وقائدهم قتيبة بن مسلم رضي الله عنه، ومن يومها وهي تعتنق الإسلام. ويمثل المسلمون بها 90%، ولكن أصبحوا بعد الاحتلال الصيني 70%، وعاشت تركستان الشرقية إمارة إسلامية عشرات القرون، حتى احتُلت من قبل الصين الشيوعية عام 1949م بالتواطؤ مع روسيا، وأطلقوا عليها مقاطعة (سينغ يانغ) أي المقاطعة الجديدة. أرسل لنا أحدُ أبنائها رسالة عتاب، يعاتب فيها المسلمين لعدم اهتمامهم بقضية بلاده المسلمة، ولا يعرف -ويا للأسف- أن كثيرًا من المسلمين لا يعرف عن قضيتهم أو بلاده شيئًا أصلاً. وقعت تركستان الشرقية فريسة سهلة بين أنياب التنين الصيني، بعد أن لم يجد لها ظهرًا تستند إليه، وتغافلها الإعلام العالمي والدولي وحتى العربي، بل والإسلامي، وبرغم أن الصين اعتدت على تركستان الشرقية والتبت البوذية في نفس الوقت تقريبًا، إلا أن اهتمام الإعلام العالمي بالتبت البوذية كان أكبر؛ مما حماها من الاضطهاد الذي عانى منه المسلمون في تركستان الشرقية. ربما يكون الطمعُ الصيني في موارد ومقدرات تركستان الشرقية وموقعها الإستراتيجي يمثل الحجم الأكبر في دوافعها لاحتلالها؛ فتركستان الشرقية على طريق الحرير القديم الذي يفتح للصين الطريق مع القارات القديمة، ويسهِّل عليها نقل تجارتها بدون تكاليف. كما أن البُعد الإستراتيجي لموقع تركستان الشرقية كمنطقة عازلة ووقائية للصين محاذية لأفغانستان وروسيا، فهي تُؤَمِّن حدودَها بمساحات كبيرة، وفي نفس الوقت ففيها صحراء "تاكلا مكان" المكان الآمن والأمثل للتجارب النووية للصين بعيدًا عن تجمعاتها السكنية، وأيضًا فتكلفة التجارب فيه أقل بكثير جدًّا من التجارب تحت البحر، والضرر العائد على أبناء تركستان لا يأبه له الصينيون. كما أن احتلال الصين لتركستان يعطي رسالة للعالم والدول المناوئة للصين بتفوقها العسكري وتبوِّئها مكانة بين الدول الكبرى، وهي أيضًا مركز وقاعدة للصواريخ البالستية الصينية. كما أن الصين في نهضتها الاقتصادية تحتاج إلى جبال من الموارد الطبيعية لتسخِّرها لها، ويعتبر إقليم تركستان الشرقيةإقليمًا خصبًا؛ ففيه مناجم اليورانيوم والذهب والزنك، وبه احتياطي كبير من النفط الخام يبلغ 8.2 مليار طن، وكذلك من الغاز الطبيعي ومن الفحم الخام أكثر من ذلك بكثير، كل ذلك يثير لعاب التنين الصيني المتعطش للموارد لينهض باقتصاده. يجري كل ذلك أمام الدب الروسي خصوصًا ولا يمانع، رغم أنه من المفترض أن لا يسمح للصين بالتفوق عليه عسكريًّا، وأن تتوسع في احتلال أرض له معها حدود، ولكنها لعبة المصالح القذرة على جثمان هذا الشعب المسلم الضعيف؛ إذ إنّ روسيا تسيطر على تركستان الغربية، وتخشى أن تكون تركستان الشرقية منطلقاً لتحرير قسمها الغربي، ففضّلت أن تحتلها الصين لذلك. أما الغرب فحدِّث ولا حرج عن السكوت والتواطؤ، بل والتشجيع على التنكيل إذا كان الخصم من المسلمين. وبدأت الصين معركة محو الهوية الإسلامية لتركستان الشرقية، فقد قامت بتهجير كثيرًا من الصينيين إلى الإقليم للسيطرة عليه من عرق الهان؛ ليقف أمام العرق التركستاني الإيغوري، وأغلقت المساجد، وحاربت التعاليم الإسلامية، حتى أصبح الآن بتركستان 9 آلاف مسجد بعد 16 ألف من قبل، ووضعت المناهج الدراسية التي تهاجم الإسلام وتسخر منه، وأحرقت الكتب الدينية، وعرضت وشجّعت المسرحيات التي تسخر من الدين وأهله، ومنعت المدارس الدينية. بيد أن الشعب التركستاني الأبيّ لم يقف ساكنًا أمام هذا الاحتلال والقمع، بل قاوم وناضل وقام بالعديد من الثورات كان آخرها في 5/7/2009م حيث قامت مظاهراتٌ عمت الإقليم؛ مما أدى إلى قتل أكثر من 190 شخصًا بعد اجتياح الجيش الصيني العنيف للإقليم، والإعلان عن اختفاء 10000 شخص من الإيغور المسلمين لم يُعرف مصيرُهم حتى الآن. إن نُصرة الشعب التركستاني تبدأ -للأسف- من مراحل متأخرة، فتبدأ من نشر قضيته وتعريف المسلمين والعالم بها، وبيان حقهم في سيادتهم على أرضهم، وعرض جرائم التنين الصيني الوقح، وتنكيله بالشعب المسلم المستضعف. والدور الأكبر مُلقى على عاتق الدول العربية والإسلامية؛ فالاقتصاد هو نقطة ضعف هذه الشعوب المادية، فيجب أن يجدوا مقاطعة من الدول الإسلامية عقابًا على جرائمهم بحق الشعب التركستاني. كما يجب أن يكون لتركيا دورٌ كبير، فإنها المعنيّ الأول بحقوق الشعب التركستاني؛ فهم امتدادٌ للشعب التركي، وكان من المخزي تصريحات الرئيس التركي عبد الله غول بعد المذبحة الأخيرة بحق الشعب التركستاني فقد قال: (إن هذا شأن صيني داخلي)! ليس المخزي عدم تعليقه على مذبحة وقعت لشعب مسلم فقط، بل فيه اعتراف بالاحتلال الصيني للإقليم وإضفاء الشرعية عليه. ولا يسعنا في النهاية إلا أن نطلب من الشعب التركستاني الأبيّ أن يتمسك بدينه وعقيدته ونضاله؛ حتى يأتيه نصر الله، فهو المأمول والركن الشديد. * عن صحيفة "لجينيات" الإلكترونية. * بدأت الصين معركة محو الهوية الإسلامية لتركستان الشرقية، فقد قامت بتهجير كثيرًا من الصينيين إلى الإقليم للسيطرة عليه من عرق الهان؛ ليقف أمام العرق التركستاني الإيغوري، وأغلقت المساجد، وحاربت التعاليم الإسلامية، حتى أصبح الآن بتركستان 9 آلاف مسجد بعد 16 ألف من قبل، ووضعت المناهج الدراسية التي تهاجم الإسلام وتسخر منه، وأحرقت الكتب الدينية، وعرضت وشجّعت المسرحيات التي تسخر من الدين وأهله، ومنعت المدارس الدينية.