تقف مصر على قمة بركان على وشك الانفجار وقذف حممه في اتجاهات شتى، وهناك حدثان رئيسيان قد يكونان بمثابة عود الثقاب المفجّر: الأول هو إعلان اللجنة العليا للانتخابات الذي سيحدد هوية رئيس مصر المقبل، والثاني كشف حقيقة الأوضاع الصحية للرئيس المخلوع حسني مبارك. هناك ارتباط وثيق بين الحدثين، ولا نستبعد أن يكون الإعلان عن الموت السريري للرئيس السابق هو قنبلة الدخان التي ستمهد للمفاجأة الأخطر، أي فوز الفريق أحمد شفيق بانتخابات الرئاسة. من يتابع الإعلام المصري بشقيه الرسمي و(المستقل) لا بد أن يتوقف عند أمرين أساسيين: الأول: عملية (الشيطنة) لحركة الإخوان المسلمين ومرشحها الدكتور محمد مرسي، والمبالغة في التخويف من وصول الأخير إلى سدة الرئاسة، على الاقتصاد والدولة المدنية والحريات السياسية والإعلامية. وفي مقابلها هجمات شرسة من معسكر (الإخوان) ضد كل من يخالفهم الرأي، ما يخلق أجواء حرب، وليس منافسة ديمقراطية. الثاني: حملة رد الاعتبار للرئيس حسني مبارك، من خلال إظهار بطولاته العسكرية في حرب أكتوبر ونشر عشرات الصور له كقائد لسلاح الطيران، ومصافحته للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأحاديث مكثفة عن ترتيب جنازة عسكرية مهيبة تليق به وبإنجازاته. الأمور معكوسة في مصر اليوم، فقد جرت العادة أن يتم اتهام السلطة بتزوير الانتخابات لمصلحة مرشحها، ولكن ما نسمعه اليوم هو اتهامات لحركة الإخوان بتزوير ثلاثة ملايين صوت، حسب الطعون المقدمة إلى لجنة الانتخابات من حملة الفريق شفيق، وأن هناك مؤشرات لاحتمالات قبولها. المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة يمسك بكل الخيوط، وهو الجهة التي تستطيع أن تقرر كل ما تريده بالنسبة إلى حاضر مصر ومستقبلها، وتجد محكمة دستورية توفر لها الغطاء والتبرير القانوني في هذا الإطار. ' ' ' لم يحدث في التاريخ، الحديث منه والقديم، سواء في الديمقراطيات العريقة أو الناشئة، أن سمعنا أو قرأنا عن إعلان دستوري تكميلي. قبل أن يصدر الإعلان الدستوري أساسا، اتصلت بأكثر من خبير دستوري عربي وأجنبي لكي أستطلع هذا الأمر، وأجمعوا على عدم وجود سابقة كهذه في تجارب ديمقراطية غربية، وقالوا جرت العادة أن يكون هناك دستور، وأن تجرى تعديلات عليه، إما إعلان دستوري تكميلي لدستور غير موجود، فهذه (بدعة) جديدة غير مسبوقة. الصلاحيات التشريعية وأغلب التنفيذية باتت في يد المجلس العسكري، بما في ذلك اعتقال المواطنين وتقديمهم إلى محاكم عسكرية، ما يعني إعادة حالة الطوارئ والأحكام العسكرية قبل إعلان اسم الرئيس الجديد، وقبل إجراء انتخابات برلمانية. ويرى خبراء قانونيون أن المنطق الدستوري يقول بإعادة الانتخابات في الدوائر التي وقع فيها التزوير أو المخالفات القانونية، أما حلّ البرلمان كله فهذا يتعارض كليا مع القواعد الدستورية، علاوة على كونه سيكلف الخزينة المصرية، التي تعاني من انيميا مالية حادة، مليارا ونصف مليار أيضا. ولكن خبراء آخرين يؤيدون حل البرلمان، ويشددون على أهمية احترام أحكام القضاء ليس فقط للحفاظ على الديمقراطية، ولكن لحماية آخر مؤسسات الدولة من الانهيار. ولا يمكن في هذه العجالة عدم التعريج على المسألة الأهم، وهي استحواذ المجلس العسكري على قرار الحرب، وحرمان الرئيس المنتخب منه، فإذا كانت هذه الخطوة لطمأنة أمريكا وإسرائيل، فإن الدولتين تعلمان جيدا أنه لا الرئيس محمد مرسي ولا خصمه أحمد شفيق سيعلنان الحرب في المستقبل المنظور، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والمرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر حاليا، فحتى الإدارة الأمريكية التي أراد المجلس تطمينها، استهجنت هذا القرار وانتقدته لفجاجته. المجلس العسكري يبرر إصدار مثل هذه التشريعات بادعاء الحفاظ على هيكلية الدولة المدنية ومؤسساتها، ومنع قيام الدولة الدينية، ولكن هذه الصلاحيات المبالغ فيها للمؤسسة العسكرية تقوّض هذه الدولة المدنية، وتؤسس لدولة عسكرية بغلالة مدنية واهية، لا يمكن أن تقنع أحدا، وتذكر بالنموذج الجزائري. لا نستطيع أن نجزم بالمنحى الذي سيسلكه المجلس العسكري تجاه القضيتين المذكورتين آنفا، أي موت مبارك وهوية الرئيس الجديد، سواء بقرار رسمي أو من خلال لجنة الانتخابات، ولكن ما يمكن أن نتكهن به هو أن الانفجار بات وشيكا، لأن هناك مخططا لإحكام قبضة العسكر على الحكم، وإعادة النظام السابق من خلال بوابة ديمقراطية مزورة. اللواء عمر سليمان اللاعب الأكبر في غرفة العمليات السوداء، قال إن الإسلاميين لن يحكموا مصر حتى لو أدى ذلك إلى انقلاب عسكري. الانقلاب تمّ وبخطوات متدرجة ومحسوبة بعناية، وفي غضون الثماني والأربعين ساعة المقبلة ستتضح الصورة بكل تفاصيلها، ولذلك سأضع يدي على قلبي وسأنتظر الأسوأ، أقولها وفي فمي مرارة، فمصر التي تأملنا ببزوغ شمسها الساطعة والمشرّفة من ميدان التحرير ما زالت بعيدة، وأرجو أن أكون مخطئا.