جرت أحداث هذه المعركة في 23 أفريل 1958 بين قوات جيش التحرير الوطني في جبل بوحرب بلدية مناصر وعلى بعد 15كلم نحو مقر البلدية وبالتحديد على الغرب منها، يسكن منطقة العمليات سكان بدوار بوحرب يعتمدون غالبا على توفير العيش على الفلاحة وتربية الماشية. عرفت المنطقة منذ اندلاع الثورة بانضمام شبابها إلى صفوفها، شرع في العمل في البداية على إنشاء مركز الثورة، ومنطقة العمليات هي أرض جبلية شاهقة وصخور وعرة، شعابها ملتوية، وهذه الرقعة ذات التضاريس الجبلية والغابات الكثيفة والأحراش والفلين، وفي الأفق في الصباح في هذا اليوم، كانت في هذه المنطقة الكتائب منها اليوسفية والحمدانية وكومندوس. بدا أزيز طائرات استطلاع في التحلق فوق المنطقة، وتبعتها طائرات أخرى تلوى الأخرى، وكانت كلها تحلق جيئة وذهابا فوق المنطقة. كانت الكتيبة الحمدانية بقيادة سي حمدان، وقد اصطدم منذ الصباح الباكر بعناصر القوات الفرنسية التي حاولت تمشيط الجهة من تنس إلى زكار، وانتشرت السرايا في الغابة على شكل مجموعات صغيرة لاحتلال كافة النقاط الإستراتيجية ونشر العدو كافة قواته عبر المنطقة وعجز على اختراقها. بدأ القتال محتدما، فتوجهت الكتيبة الحمدانية إلى جبل بوحرب استعدادا للاشتباك بهدف تحرير المجتمعين، وكانت القمة العليا للجبل في المنطقة تهيمن على الجبل وعلى كافة تحركات قوات العدو، وكانت الطائرات القاذفة تمزق حجب السماء، وهي تقذف بالنبالم في كل مكان، وكان لابد من إخلاء المكان في الليل بعدما دامت المعركة يوما كاملا فقتل عدد من العدو، واستشهد حوالي 40 مجاهدا. إذ إن المعلومات المتوفرة والتي أمكن الحصول عليها في النهار قد أكدت أن العدو يتابع دعم قواته وتعزيز مواقعه، حيث استمرت القوات الفرنسية في التدفق من جميع الجهات، هكذا فما أن هبط الليل ظلامه، حتى تجمع المجاهدون وانتظموا بتنظيم دقيق، أخلى المجاهدون الغابة وأخذوا في اختراق مواقع العدو. وما إن سار مسافة داخل الغابة حتى انطلقت أصوات الرشاش وسقط ثلاثة جنود الذي كانوا يسيرون في المقدمة وهم يزمجرون لما أصابتهم الجروح، إنهم باتوا عاجزين عن التقدم بسرعة واستمر العدو الفرنسي في إطلاق نيران رشاشتهم، فكانت رصاصاتهم تضيء كالشرر وسط ظلمة الغابة، واستعمل المجاهدون الأربطة الفردية لتضميد جراحهم وإيقاف نزفها، وتقدم المجاهدون لمساعدة إخوانهم الجرحى، في يوم الغد أنهى الفرنسيون عملية التمشيط وكان من حسن حظ الجرحى أن العدو لم يتمكن من اكتشاف ملجئهم، وعاد المجاهدون فحملوا إخوانهم الجرحى إلى مركز قيادة المنطقة، حيث تجمع الجرحى وفي الليل نقل هؤلاء إلى مناطق آمنة جدا، بهدف تقديم العناية الطبية اللازمة لهم حتى تندمل جروحهم ويستعيدون قوتهم ويستأنفون جهادهم. وصلت معلومات إلى القرية في الساعة الثانية في فجر اليوم التالي. تؤكد أن القوات الفرنسية في المنطقة قد تلقت المزيد وهذا يعني بأن العدو قد اكتشفت بأن جميع الإخوة المجاهدين قد انسحبوا من هذه المنطقة. وبعد إنزال المظليين في قمة الجبل الجرداء، وما إن وصل المظليون الأرض حتى استقبلهم سبيل من النيران أحاط من كل جانب، وابتعدت طائرات المضليين لتفسح المجال أمام الطائرات القاذفة التي جاءت لتحرث الأرض بنيرانها وتفرق المجاهدون بسرعة بعد أن دمروا قوة العدو. وكان المجاهدون يسيطرون سيطرة تامة على كافة النقاط الإستراتيجية، وتلقى المجاهدون أمرا من القيادة بالانتقال إلى جبل زكار والتمركز على مقربة من الطريق العام والمواقع المحصنة لهم، تم تنفيذ هذا الأمر على الفور، وبذلك بقي جنود العدو في الجبل واستقر المجاهدون في المكان المختار، ومضت صحافة العدو وهي تعلن في كل يوم أنه تم قتل كذا من الثوار وأسر كذا منهم وأنه قد تم تطهير الجبال من المقاومة، وقد تعرض المجاهدون خلال هذه الفترة لكل أنواع المشاق ولكل أشكال المصاعب حتى إن بعضهم اضطر لأكل الحشيش والعشب، وفقد المجاهدون كل ما كانوا يختزنونه من المواد التموينية، واستنزفت قدرتهم. لكن لابد من إمداد المجاهدين بالتموين كان لابد من تنفيذ هذه المهمة مع غروب الشمس، وقد قامت إحدى الزمر بالتوجيه إلى القرية في دوار في سفح جبل واتخذته ملجأ لها وأرسلت أحد أفرادها للاتصال وجمع المواد الغذائية. لقد أصيب العدو بخسارة كبيرة مادية ومعنوية رغم مشاركة قوات كبيرة في العملية برية وجوية ووسائل دعم أخرى وعرفت مختلف جوانب المواجهة، مواقف بطولية لأفراد جيش التحرير الوطني أوقعوا خلالها خسائر فادحة في صفوف العدو بين قتيل وجريح وبمجرد حلول ظلام الليل توقفت المعركة وانسحب العدو منها خائفا. رحم الله شهداءنا الأبرار. * باحث في التاريخ