في الوقت الذي كان فيه الجزائريون ينتظرون ما ستسفر عنه المفاوضات بين الحكومة وشركة رونو الفرنسية حول تصنيع أول سيارة في الجزائر، فاجأ عبد الرحيم كويني، وهو شاب لا يتعدى ال17 من عمره، الجميعَ بإنتاج أول سيارة جزائرية في مرأب والده بحي (الكثبان) بالشراقة غرب الجزائر العاصمة في أول فيفري الماضي، بإمكانات بسيطة جدا وبتكلفة لا تتجاوز ال120 ألف دينار، لتكون بذلك أرخص سيارة في العالم. تساؤلٌ وحلم البداية كانت حلماً راود عبد الرحيم وهو في السنة الرابعة من التعليم المتوسط، وعمره لا يتجاوز الخامسة عشر، إذ كان يطل من شرفة بيته على مجموعة من السيارات الحديثة التابعة لوكيل معتمد لإحدى الماركات الألمانية، وربما أطل عليها الكثيرون غيره من شرفات منازلهم، ولكن ذلك لم يعن لهم الشيء الكثير بينما تصرف عبد الرحيم على طريقة نيوتن الذي تساءل-والسؤال أمّ المعرفة والإبداع والاكتشافات- عن سرِّ سقوط التفاحة إلى جانبه وهو تحت الشجرة؟ فتوصل إلى قانون الجاذبية لاحقاً، كذلك فعل عبد الرحيم حينما رأى هذه السيارات الألمانية، فتحركت فيه النخوة والغيرة على وطنه وتساءل: (ما الذي ينقص الجزائرَ حتى يكون لها سيارة ٌ من صنعها عوض أن تكتفي بالاستيراد من باقي البلدان؟) وقاده هذا السؤال إلى الشروع في العمل دون هوادة على مدار 25 شهراً إلى أن تمكن من صنع أول سيارة محلية ليهديها للبلد، ويكتب عليها بالبنط العريض (صُنعت في الجزائر)، ويؤكد أن العقول ما دامت موجودة فإن قلة الإمكانات لا ينبغي أن يقف أبداً حائلاً دون تحقيق الأمنيات والالتحاق بركب الآخرين عوض الاكتفاء باستهلاك منتجاتهم. الطريق لم يكن مفروشا بالورود أمام عبد الرحيم، الشاب الذي يدرس في السنة الثانية من التعليم الثانوي شعبة علوم طبيعية وحياة، فقد كان عليه أولاً أن يضع تصورا واضحا لسيارته ومخططات صنعها، وأن يتحلى بالصبر وطول النفس وقوة الإرادة، وهو ما فعله، وقال عبد الرحيم وهو يشير إلى مخططات وصور ألصقها بحائط مرأب السيارة (لقد مرّ المشروع ب13 مرحلة كاملة، كنتُ في كل منها أنجز جانباً من السيارة، إلى أن اكتملت بعد أكثر من عامين وتحركت لأول مرة في 1 فيفري 2012، لقد عانيتُ طويلاً بسبب قلة الإمكانات وضعف التمويل وتعيّن عليّ العمل في التجارة في أوقات فراغي وكذا الاستدانة من بعض معارفي حتى أستطيع تمويل مشروعي وإنهائه). وطيلة العامين اللذين استغرقهما المشروع كان والدُه عبد القادر يركن سيارته الخاصة خارج البيت ليمكِّن ابنه الطموح من إنجاز مشروعه بهدوء (كنتُ أشعر بالضيق أحياناً حينما أرى ذلك الكم الكبير من القطع الحديدية في المرأب، والتي كانت تمثل قطع غيار حديدية بسيطة كان ينتجها عبد الرحيم، وكذا الحديد الذي صنع منه هيكل السيارة ولواحق أخرى فيما بعد، ولكني حرصتُ أن لا أظهر ذلك لإبني حفاظا على معنوياته وتشجيعه، وأن أترك له حرية الحركة، فأنا حريصٌ على دعمه بكل ما أستطيع حتى يذهب بعيداً في مشاريعه الطموحة). لحظاتٌ تاريخية كان الشاب المبدع قد أنهى الأجزاء التي صنعها بإمكاناته البسيطة ثم استعان بمحرك سيارة قديم وبعجلاتها، وهي الأجزاء الوحيدة التي أخذها جاهزة من سيارة أخرى، ثم عدّل مصفاة خزان الوقود ليجعل السيارة مقتصدة في استهلاك الوقود، وفي يوم 1 فيفري 2012، كان المشروع قد اكتمل ولم يبق أمام عبد الرحيم سوى روتوشات بسيطة حرص على إكمالها لضمان النجاح الكامل وانطلاق السيارة الشبيهة ب(الجيب) البريطانية، في السير دون مشكلة أمام جمع غفير من الأصدقاء والجيران، وفي حدود السادسة مساءً انطلق صوت المحرك ثم بدأت السيارة تتدحرج فعلا إلى الأمام وتسير وسط تهليل الجميع وصياحهم من فرط الدهشة والشعور بالمتعة: (كان شعوراً رائعاً لا يوصف، فالحلم تحقق بعد عامين كاملين من الجهود، كانت فرحة عظيمة لي وللأهل والأصدقاء والجيران). أما صديقه عامر بشير فوصفها ب(اللحظات التاريخية التي لا تمحى من الأذهان)، بينما يقول صديقه وليد زليزلف (لقد تتبعنا المشروع خطوة خطوة وشجعنا عبد الرحيم طويلاً لذلك كانت الفرحة لا توصف)، أما الصديق الثالث وارد صابري فيتذكر أول جولة قام بها في السيارة رفقته في الحي، لأنه لا يستطيع الذهاب بعيداً بحكم أن السيارة بدون وثائق وعبد الرحيم لم يصل بعد إلى السن القانونية للحصول على رخصة سياقة، كما يتذكر كيف أن خبر السيارة انتشر كالبرق فاصطبحت تستقطبت يومياً مئات الفضوليين. في انتظار الاعتراف ويؤكد عبد الرحيم أن سيارته التي أطلق عليها اسم عائلته (كويني) اعترافاً بفضلها عليه، لا تزال تواجه مشكلة، فهي بدون لوحة ترقيم وبدون رقم تسلسلي، ما يعني أنها (بدون هوية)، ومن ثمة يتعذر عليه تأمينُها والانطلاق بها بعيداً عن الحي الذي يسكن فيه حتى لا يعدّ مخالِفاً للقانون. ولتذليل المشكلة، اتصل الشاب بوزارة الطاقة والمناجم ووزارة الصناعة، ولكنه لم يجد لديهما حلا بعد عدة زيارات ولقاءات بالمسؤولين الذين فاجأهم مشروعُه وطلبوا منه الانتظار بعض الوقت، ومرّ الآن خمسة أشهر على صنع السيارة دون أن يتمكن عبد الرحيم من تسوية مشكلة الرقم التسلسلي ولوحة الترقيم والوثائق، ما يعني أنها سيارة غير معترف بها رسمياً إلى حد الساعة، ويطالب عبد الرحيم السلطات بإيجاد حل للمشكلة في أقرب الآجال وكذا دعمه ليتمكن من تطويرها من كل الجوانب، فأحلامُه كثيرة ولكنه لن يستطيع تجسيدها جميعاً دون دعم وتشجيع من السلطات، ويطالبها بإيفاد مهندس مناجم لمعاينتها وفحصها، وهو مستعد لقبول توجيهاته لتطويرها وإدخال تعديلات عليها إذا اقتضت الضرورة، المهم أن يتم الاعتراف بها في النهاية. بينما يقول أبوه عبد القادر (ما دام عبد الرحيم قد صنع هذه السيارة فهو قادرٌ على إنتاج غيرها، صحيح أنها سيارة بسيطة ولكنها البداية وهو يملك الموهبة للذهاب بعيداً في أحلامه وطموحاته إذا وجد الدعم الكافي). ويحلم عبد الرحيم بتطوير سيارته التي لا تتجاوز سرعتُها الآن مائة كيلو متر في الساعة وصنع نماذج أخرى متنوعة، ولكنه يريد أولاً تسهيلات من السلطات من جهة تسوية مشكلة (هوية السيارة) ثم التفكير لاحقاً في مشاريع التطوير ولمَ لا تصنيعها مستقبلاً في إطار مشاريع شراكة مع مستثمرين، محليين أو عرب أو أجانب، ويتفاءل عبد الرحيم بتسوية الوضعية باعتبار أن المعهد الجزائري للملكية الصناعية قد اعترف باختراعه وقام بتسجيله ومنحه شهادة حماية الملكية، وهي خطوة باتجاه إيجاد حل ل(هوية السيارة) لاحقاً.