بعد أن احتضنت القارّة (العجوز) أوروبا فعاليات الدورة الأولى والثانية ها هي الدورة الثالثة تقام ولأوّل مرّة خارج أوروبا، على الأراضي الأمريكية. ومن غرائب الدورة الثالثة أنها انعقدت على مدار الأوّل من جويلية 1904 إلى الثالث والعشرين من نوفمبر من العام نفسه، وتلكم حكايات وحكايات سنوردها لكم في هذه الحلقة، وفيها سنحكي كذلك عن واحدة من أغرب الدورات الأولمبية. من باريس إلى سان لويس انعقدت فعاليات دورة الألعاب الأولمبية الثانية كما تعرف رسميا في مدينة سان لويس في ولاية ميسوري في الولايات المتّحدة الأمريكية ولفترة طويلة جدّا للمرّة الثانية تواليا، ما بين الأوّل من جويلية 1904 والثالث والعشرين من نوفمبر من العام نفسه، وأقيمت منافساتها في حرم جامعة واشنطن في سان لويس. وشأن الدورة الثانية كانت الثالثة جزءا من معرض لويزيانا الدولي، فتكرّر خطأ أولمبياد باريس، ولاقت ثالث دورات الأولمبياد فشلاً أسوأ من ذلك التي لاقته دورة باريس من جميع النّواحي. حرب الاستضافة لم يكن اختيار المدينة المستضيفة للنّسخة الثالثة بالعمل السهل، بل واجه هذا الاختيار مصاعب جمّة وعراقيل عدّة من ناحية اختيار المدينة وليس الدولة كون المؤتمر الدولي الذي عقد في باريس العام 1894 كان قد أقرّ ضمنيا وباتّفاق غير معلن منح الولايات المتّحدة الأمريكية شرف احتضان ثالث الألعاب الأولمبية، لكن المشكل كمن في الصراع الداخلي. فبعد أن كانت الألعاب متّجهة للاستقرار في شيكاغو وفقا لخبر موثوق طالعت به صحيفة (نيويورك صن) قرّاءها العام 1900، دخلت عدّة جهات على الخطّ أبرزها مدينة سان لويس التي كانت ستستضيف معرضا عالميا العام 1903 نقلته إلى العام 1904 لاعتبارات مالية. صراع مكشوف في أرض أبناء (العمّ) لاستضافة الدورة بالرغم من أن المؤتمر الأولمبي الرّابع الذي عقد في 21 ماي 1901 في باريس كان يميل إلى شيكاغو، وقد حدّد حتى في وقته فترة الألعاب ما بين 10 و25 سبتمبر 1904، دخلت سان لويس بقوّة مرسلة التهديدات إلى مواطنتها شيكاغو بأنها ستنظّم إذا ما استضافت الأخيرة الحدث بدورها أحداثا رياضية على هامش معرضها الدولي للتغطية على الأولمبياد وإضعافه مع إشاراتها إلى قدرتها على استضافة كبار الرياضيين. ولم ينفع حينها اقتراح شيكاغو بنقل الدورة للعام 1905، إذ أن البارون كوبرتان عارض فما كان من الجميع إلاّ أن أوكل اتّخاذ القرار لرئيس الولايات المتّحدة وقتها ثيودور روزفلت. روزفلت الذي كان مولعا بالرياضة لم يتردّد في اختيار سان لويس، خصوصا وأنها ستكون قبلة العالم بمعرضها الدولي، إضافة إلى الاحتفاء بالعيد الوطني للويزيانا. قبلت اللّجنة الأولمبية الأمر على مضض بتصويت داخلي وافق فيه على قرار روزفلت 14 عضوا مقابل صوتين عارضا، وتملّك النّدم والخوف أعضاءها كون الألعاب ستكون مصاحبة للمعرض الدولي للمرّة ثانية وهم وتحديدا كوبرتان لم يكونوا نسوا ما حلّ بالدورة الماضية من نتائج كارثية وكان ندمهم في محلّه، إذ استمرّت الدورة من الشهور أربعة ونصف، وجاء افتتاحها باهتا غير ذي أهمّية، وسعى المسؤولون وقتها إلى تنظيم مسابقة واحدة يوميا ولو كتصفيات كي تمتدّ الأحداث طوال فترة المعرض وتضفي جوّا ترفيهيا عليه فضاعت الهوية الأولمبية للدورة من جديد. بعد المسافة قلّص عدد المشاركين على غرار الدورة الأولى والثانية تقلّص عدد الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية الثالثة، حيث توقّف العدد عند 14 دولة باحتساب فرنسا وبريطانيا العظمى اللتين شاركتا برياضيين غير رسميين، ويعود تقلّص عدد الدول إلى بعد المسافة بين الولايات المتّحدة الأمريكية وبقية دول العالم. أمّا بخصوص الدول التي شاركت في الدورة فهي الولايات المتّحدة الأمريكية ب 523 رياضي، كندا ب 52 رياضيا، كوبا بثلاثة رياضيين، جنوب إفريقيا بثمانية رياضيين، أستراليا برياضيين فقط، ألمانيا ب 17 رياضيا، النّمسا برياضيين فقط، فرنسا مشاركة غير رسمية برياض واحد، بريطانيا العظمى بثلاثة رياضيين ومشاركة غير رسمية، اليونان ب 14 رياضيا وسويسرا برياضي واحد. درس باريس لم يحفظ فشل الدورة امتدّ ليشمل الوافدين والمشتركين، فبعد أن كان عدد الدول المشتركة في دورة باريس أربع وعشرين دولة انخفض العدد إلى النّصف تماما، أي اثنتي عشرة دولة. وبطبيعة الحال عدد المشتركين الذين كانوا 651 لاعب ولاعبة بينهم ستّ من الإناث فقط ومنهم 523 أمريكي والباقي أجانب، جاء منهم اثنان وخمسون من جارة الولايات المتّحدة كندا، بالإضافة إلى أن العديد من المشاركين الوافدين من دول أخرى شاركوا في رياضات استعراضية غير مدرجة رسميا أولمبيا مثل البيسبول وكرة السلّة إنما كانوا ضمن وفود بلادهم، علما أن بعد المسافة والحرب الرّوسية-اليابانية أثّرا على الحضور الأوروبي عموما فغابت بريطانيا وفرنسا رسميا باستثناء مشاركات فردية وغيرها من الدول. رياضات تطلّ للمرّة الأولى العديد من الرياضات أطلّت للمرّة الأولى من خلال دورة سان لويس، ومنها كرة السلّة التي كانت استعراضية والملاكمة، حيث شارك ملاكمان من الولايات المتّحدة الأمريكية فقط، ورياضة الغطس كجزء من ألعاب الماء، في حين أدرجت المصارعة الحرّة لأوّل مرّة، علما أن الرّومانية كانت موجودة منذ أوّل دورة، وتمّ لأوّل مرّة أيضا اعتماد المنافسات على أساس الأوزان. كما شكّلت هذه الدورة الظهور الثاني والأخير أولمبيا لرياضة الغولف، شأن رياضة (لاكروس) التي عادت وظهرت استعراضيا فقط في دورات أخرى، أمّا كرة القدم فكانت استعراضية إلى أن عادت اللّجنة الأولمبية الدولية واعتمدتها لعبة رسمية وزادت ميدالياتها في الترتيب. كما شهدت هذه الدورة الظهور الوحيدة لرياضة روك في التاريخ الأولمبي، وقد نازل فيها أمريكيون فقط. الرياضات التي تضمّنها برنامج الدورة أمّا الرياضات التي تضمّنها برنامج الدورة فهي ألعاب الماء واشتملت على السباحة والغطس وكرة الماء، القوس والنشاب، كرة السلّة، الملاكمة، الدرّاجات، المصارعة، المبارزة، كرة القدم، الغولف، الجمباز، التجذيف، كرة المضرب، رفع الأثقال، روك (رياضة أمريكية شبيهة بالكروكيت)، لاكروس (رياضة جماعية يتكوّن الفريق فيها من عشرة أفراد وتلعب بعصاة)، شدّ الحبال وألعاب القوى. وضمّت هذه الألعاب إحدى وتسعين مسابقة، وقد وزّعت في هذه المسابقات الميداليات على الثلاثة الأوائل في كلّ مسابقة، أي ذهبية وفضّية وبرونزية وذلك لأوّل مرّة منذ انطلاق الألعاب الحديثة من أثينا العام 1896. 23 ذهبية من بين 25 لأمريكا في ألعاب القوى سيطرت الولايات المتّحدة في معظم الرياضات وكان هذا طبيعيا قياسا بنسبة المشاركة، فاستطاعت مثلاً في ألعاب القوى التي شهدت خمس وعشرين مسابقة بينها ثلاث مسابقات جديدة أبرزها الديكاتلون والترياتلون، أن تحصد ثماني وستّين ميدالية كمجموع بينها ثلاث وعشرين ميدالية ذهبية وأفلتت منها ذهبيتان فقط فذهبت ذهبية مسابقة رمي ال 56 متر، وهي مسابقة كانت ظهرت للمرّة الأولى، للكندي إتيان ديمارتو. كما نالت بريطانيا ذهبية الديكاتلون التي كانت مسابقاتها مختلفة عن اليوم، وكانت تشمل دفع الكرة الحديدية، الوثب العالي، 880 ياردة مشيا، رمي المطرقة، الوثب بالزانة، 120 ياردة حواجز، رمي وزن ال 56 باوند، الوثب الطويل، جري الميل وجري ال 100 ياردة. جون فلاناغان وراي إيوري يحافظان على ذهبية المطرقة أبرز ما سجّل في ألعاب القوى حفاظ جون فلاناغان على ذهبية المطرقة التي أحرزها في دورة باريس، وحذا حذوه راي إيوري الذي حافظ على ذهبياته الثلاث في مسابقات الوثب العالي والطويل والثلاثي من وضع الوقوف مسجّلاً 1,50م و3,47م و10,55م على التوالي، علما أن المسافة كانت تقاس بالقدم وليس بالمتر. كما برز رياضيون أميركيون آخرون استطاع كلّ منهم الفوز بثلاث ذهبيات، هم أرشي هان في ال 60م، 100م، 200م وجايمس دايفس الاسكتلندي الأصل في ال 2590 م موانع، 800م، 1500م، وهاري هيلمان في ال 400م حواجز، 200م حواجز 400م. ميدالية نادرة الوجود أمّا أغرب مسابقات ألعاب القوى فكان الماراطون الذي اشترك فيه 31 عداء، بينهم يوناني جاء خامسا وكوبي سادسا، بالإضافة إلى إفريقيين كانا أوّل من يشارك من إفريقيا في الأولمبياد. وقد جرى السباق في جوّ سيّئ بيئيا، حيث عدا المتبارون بين السيّارات والأحصنة والمارّة على الطرقات وتخللها غشّ متنوّع، حيث أن الفائز تناول حقّنا منشّطة من مدرّبه. وفي التفاصيل فقد وصل الفائز توماس هيكس في المركز الثاني لكنه اعتبر فائزا رغم تناوله حقّنا مقوّية، حيث لم يكن أحد ليعترض وقتها، وقد منح المركز الأوّل بعد اعتبار أن الفائز الأساسي فريد لورز قد فاز بالغشّ (تفاصيل أخرى في وقفات بارزة). ذهبيات الجمباز لأمريكا سيطرت الولايات المتّحدة على رياضة الجمباز حاصدة 12 ذهبية، وقد برز بشكل لافت نجم البطولة الأوّل جورج أيزر الفائز بستّ ميداليات بينها ثلاث ذهبيات وبقدم من خشب، وهو البطل الأولمبي الوحيد المتوّج بحالة مشابهة. وفي السباحة دانت السيطرة لألمانيا أمام الولايات المتّحدة بأربع ذهبيات مقابل ثلاث. وذهبيات الملاكمة لأمريكا دون منافس في الملاكمة، فقد جرت منافسات سبعة أوزان حسمتها الولايات المتّحدة كلّها كونه لم تشترك أيّ دولة أخرى، وفي كرة القدم أحرزت كندا الذهبية أمام الولايات المتّحدة، وفي كرة المضرب جرت مسابقتان لدى الرجال فقط فازت بها الولايات المتّحدة، وفي المصارعة سيطرت الولايات المتّحدة أيضا على الأوزان السبعة كونه لم تشارك أيّ دولة أخرى، وفي رياضة المبارزة سيطرت كوبا بشكل واضح بأربع ذهبيات من خمس. أرشي هان الدورة الثالثة عرفه محبّوه وقتها ب (شهب ميلووكي)، كان قصير القامة 1,65 م ونحيل البنية 59 كلغ، برز في دورة سان لويس في سباقات السرعة ففاز في ال 60 م مسجّلاً 7 ثوان، وفي ال 200م مسجّلاً 21,6 ثانية، وفي ال 100م مسجّلاً 11 ثانية، والجدير ذكره أنه لم يبدأ خوض السباقات قبل سنّ التاسعة عشر، وقد مثّل جامعة ميشيغان العام 1900 حيث حقّق نجاحا ملفتا، درس المحاماة لكنه لم يمارسها، درّب العدّائين النّاشئين ووضع كتابا خاصّا عن كيفية الجري السريع. مارتن شيريدان بأحرف من ذهب هو أمريكي أيرلندي المولد، انتقل إلى الولايات المتّحدة عن عمر 16 عاما، من أبرز الرياضيين الأولمبيين عموما، فاز في دورة سان لويس بذهبية رمي القرص وتوّج في مسيرته بتسع ميداليات أولمبية، ففاز عوضا عن ذهبية سان لويس بذهبيتي رمي القرص والقرص اليوناني وبرونزية الوثب الطويل من الوقوف في أولمبياد لندن 1908، وفاز في دورة أثينا 1906 في ذكرى مرور عشر سنوات على انبعاث الأولمبياد بذهبيتي رمي القرص ودفع الكرة الحديدية وفضّيات الوثب الطويل والعالي من الوقوف، وبمسابقة رمي الحجر، حطّم في مسيرته رقم القرص 15 مرّة، وقد توفي عن عمر ال 37 عاما أثناء خدمته مع الشرطة الأمريكية. رامون فونست أهدى كوبا ثلاث ذهبيات أحرز رامون فونست ثلاث ذهبيات لكوبا في دورة سان لويس، اثنتان في الفردي وواحدة في الفرق من أصل أربع ميداليات نالتها بلاده التي كانت مميّزة في هذه الرياضة أوائل القرن العشرين، وكان أحرز قبلها في دورة فرنسا 1904 ذهبية وفضّية، الأمر الذي جعله أوّل رياضي أمريكي لاتيني يحرز ميدالية أولمبية. شارك رامون فونست في أولمبياد باريس العام 1924، أي بعد عشرين عاما من فوزه في الولايات المتّحدة، وبعد نهاية مسيرته كرياضي أصبح رئيس اللّجنة الأولمبية الكوبية. سباق الماراطون.. أغرب وأطرف ما في الدورة الثالثة من أغرب وأطرف الأحداث التي شهدتها الألعاب الأولمبية سباق الماراطون، فبعد فوز العدّاء الأمريكي فريد لورز في السباق والاحتفال به وتصويره من قبل ابنة الرئيس الأمريكي أليس روزفلت ومجيء توماس هيكس ثانيا بفارق 45 دقيقة تمّ منح الذهبية لهيكس وتجريد لورز من ذهبيته، إذ أن لورز استقلّ سيّارة أثناء السباق. لكن التحقيق أثبت فيما بعد أن لورز لم يكن يريد الغشّ لكنه تعرّض أثناء الجري لشدّ عضلي جعله عاجزا عن العدو، فما كان منه إلاّ أن استقلّ سيّارة لعوْنه للوصول إلى نقطة النّهاية، لكن في الطريق تعطّلت السيّارة وكان وضع لورز تحسّن فقرّر وعلى سبيل المزاح استكمال السباق فوصل أوّلاً بفارق كبير عن الثاني واستقبل استقبال الأبطال. وعند التبليغ من المراقبين على الطرق عمّا فعله لورز جرّد من المركز الأوّل، ولم يكن أحد يصدّق أنه يمزح في البداية، لكن الجميع اقتنع بقصّته بعد ذلك وسمح له بالمشاركة في بطولة الولايات المتّحدة بعد سنة العام 1905 حيث استطاع الفوز بها. ترتيب جدول الميداليات البلد و. م. الأمريكية ألمانيا كوبا كندا المجر بريطانيا العظمى الفريق المختلط اليونان سويسرا