لا يُعتبر شهر رمضان عند البعض فرصة للعزوف عن المعاصي والمنكرات، والإقبال على الحسنات، والتي يضاعف أجرها، ولا في صلاة التراويح وتلاوة القرآن، بل بالعكس من ذلك تماما، حيث ينظرون إليه على انه شهر للربح السريع، ولو كان ذلك فيه تجاوز لحرمته، لا يهم، ما يهم أكثر هو أن يربحوا ويجنوا الأموال الطائلة او الزائلة، فويل لهم مما يكسبون، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. "الخيمات" نوع من المحلات التي تشبه قاعات الشاي، والتي تكمن خصوصيتها في ديكورها الذي يُستلهم من العادات والتقاليد الجزائرية، والصحراوية على وجه الخصوص، لكنّها مع ذلك قاعة مجهزة بكل وسائل الراحة، حتى أنها قد تضاهي في فخامتها اكبر الفنادق وأرقاها، وقد ظهر هذا النوع من المحلات وتطور خاصّة في السنوات الأخيرة، وكانت في البداية تستقبل العائلات المحترمة، والتي تقصدها من اجل الجلوس وتقضية أوقات مريحة وجميلة، لكنّ هذا المشروع، او هذه الفكرة انحرفت فيما بعد، وحولها بعض التجار بعض تلك "الخيمات" إلى مكان لممارسة كلّ أنواع الموبقات، بل صارت ملاذا للسكارى والعشاق، وما يزيد الأمر سوءا هو أنّ الإقبال عليها يتزايد مع قدوم شهر رمضان، ذلك لأنّ السهرات تكثر فيه، ولأنه لا يصير لكلّ منحرف ضال إلاّها، حتى يهرب من نظرات المجتمع التي لا شك ستعاتبه إذا ما انتهك حرمة رمضان، لذلك فانه يلجأ إلى تلك المحلات التي تحتضنه، وتؤويه، لكنها بالمقابل تستنزف ماله وكرامته، او ما تبقى منهما. أحد التجار حضّر خيمته ليستقبل بها شهر رمضان ببلدية عين البنيان، حيث حوّل قاعة الشاي المحترمة، او التي كانت تحتضن العائلات والأسر المحترمة خلال أشهر السنة، حوّلها إلى خيمة لممارسة الموبقات، لا لشيء إلاّ لأنه يعلم أنها الطريقة التي تجعل تجارته لا تكسد، وأنه قد يربح خلال ثلاثين يوما أكثر مما يربح خلال أيام السنة كاملة، فستائر مزركشة باللون البني، وكنبات تشبه تلك المقاعد التي يضعها سكان الصحراء لاستقبال ضيوفهم، ثم مصابيح داكنة اللون، وكثيرا من الحرية يمنحها لزبائنه، تفي بالغرض، بل انه قد يُخصص لهم قاعات، كل واحدة منها معدة لاستقبال نوع من الضيوف، فللعشاق مكانهم، وكذلك بالنسبة للذين يتناولون المخدرات، والمقابل لا يحتاج إلى تفكير، مائة وخمسون دينار ثمن القهوة الواحدة، ومائة دينار للشاي، ومثلها لمختلف المرطبات، وهكذا، فيخرج الزبون من تلك الخيمة فارغ الجيب والعقل، وأكثر من ذلك يكون قد أساء لحرمة شهر رمضان. فعلا، لقد شاهدنا الكثير من التحضيرات لاستقبال رمضان، ومنها تحضيرات التجار الذين يغيرون نشاطاتهم بما يتلاءم مع ما يستهلكه الناس خلال الشهر، خاصّة بالنسبة للمقاهي ومحلات الأكل السريع، وغيرها من الأنشطة التي لا تُمارس والناس صيام، لكن أن يُقبل البعض على تحويل محلاتهم إلى "ديكيات" رسمية، وخصيصا خلال شهر رمضان، فهذا ما لا يتقبله عقل ولا منطق، حتى أنّ الطمع بلغ بالبعض أن راحوا يحوِّلون قاعات العاب خاصّة بالأطفال، ومحال حلاقة، وأخرى لبيع المواد الغذائية إلى خيمات رمضانية، وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى محاربة هذه الظاهرة، ولو أنّ ذلك يحتاج إلى تغيير ذهنيات وأفكار ووقت طويل وجهد كبير، وربما عشر سنوات قادمة لإصلاح ما فسد في عشر سنوات مضت، لكن ذلك لم يمنع سكان الحي الذي أراد صاحبنا تحويل محله فيه إلى خيمة فاجرة، من أن يقفوا له بالمرصاد، حيث كانوا يعلمون بنواياه مسبقا، لأنه فعل ذلك، وعلى غفلة منهم، خلال شهر رمضان من السنة الماضية، وما إن أنهى تحضيراته أوّل أمس حتى هددوه بأن يُغلقوا له المحل بأكمله، ولمّا لم يرضخ لتهديداتهم أجبروه على ذلك، ودخلوا معه في مشادة انتهت بأن حطموا له كل شيء أعده، خاصّة وانه لا يملك الرخصة لذلك.