ككل شهر رمضان يزداد إقبال المصلين على المساجد لتأدية صلاة التراويح خاصة، ويعرف مسجد أبي عبيدة بن الجراح بحي باش جراح، اكتظاظا لا مثيل له يوميا، حيث يقصده المصلون من مختلف الأحياء العاصمية، ونظرا للإقبال الكبير لهؤلاء على هذا المسجد، فقد خصصت كل المساحات المجاورة له، و أغلقت الطريق المحاذية المؤدية إلى حي وادي أوشايح لتصبح مكانا لتأدية الصلاة، فالمار من باش جراح تشده تلك الحركية الكبيرة وتسارع المصلين إلى هذا المسجد الذي أصبح المقصد المفضل لهم، بسبب الفصاحة التي يتميز بها إمام المسجد الذي يصلي بالناس في صلاة التراويح، الشيخ ياسين، المتمكن في قراءة آيات القرآن الكريم. صوت الشيخ ياسين جلب المصلين من البليدة و لم يعد إقبال المصلين على مسجد أبي عبيدة بن الجراح، مقتصرا على سكان الحي أو الأحياء المجاورة، بل تعدى صيت الشيخ ياسين إلى أبعد من ذلك، كون أن سكان الولايات مجاورة كالبليدة، يقصدونه كذلك، فبمجرد الانتهاء من تناول الفطور يتوجه المصلون إلى باش جراح، فقد اعتاد البعض على تأدية صلاة التراويح في هذا المسجد منذ مدة طويلة، باعتبار أن المقرئ فصيح ولا يخطئ في القراءة، وهو ما جعل الحاضر يبلغ الغائب، ومع مرور السنوات أصبح لهذا المسجد طابع خاص جعل المصلين يأتون إليه من كل الجهات، يقول "سليم. ف" أحد المترددين على هذا المسجد خلال شهر رمضان: " أنا أقصد هذا المسجد منذ عدة سنوات لتأدية صلاة التراويح، فقد اعتدت على ذلك وما يشدني إليه، هو الصوت القوي للشيخ ياسين وقراءته المميزة، ورغم أنني أقطن الآن في بلدية القبة إلا أن هذا لا يمنعني من المجيء". و يختار معظم المصلين القاصدين لمسجد أبي عبيدة بن الجراح، تأدية الصلاة خارج المسجد لأنه يعرف الاكتظاظ من جهة، ومن جهة أخرى يفتقد إلى المكيفات الهوائية، فرغم أن المشرفين عليه قاموا باقتناء عدد من مروحيات التهوية لتلطيف الجو، إلا أن ذلك ليس كافيا كون أن المسجد يمتلئ عن آخره. أجر، ثواب وربح سريع إقبال المصلين بكثافة على مسجد باش جراح لتأدية صلاة التراويح، يعود بالفائدة الكبيرة على بعض التجار الذين يعرفون إقبال الزبائن عليهم بقوة عند انقضاء الصلاة، مما ينعش تجارتهم خاصة أصحاب المقاهي ومحلات بيع الحلويات.. غير أن الإقبال على باش جراح من طرف كم هائل من المصلين، فتح المجال لبعض الشباب الذين يستغلون كل الأماكن من أجل كسب المال، وذلك عن طريق ايجاد مواقف للسيارات على طول الطريق الوطني المؤدي إلى المسجد أو في مختلف الأزقة الأخرى، فلا يجد الزائر أية مساحة شاغرة لأنها كلها مستغلة من طرف هؤلاء الشباب من أجل كسب المال، حيث يستغلون تسارع المصلين للوصول إلى المسجد في الموعد وإيجاد مكان شاغر لتأدية الصلاة، وهذا في غياب الرقابة ككل كالمعتاد، ليجد المصلون أنفسهم مرغمين على الدفع مهما كان الثمن، فالمهم بالنسبة لهم إيجاد مكان لركن السيارة والوصول في الوقت المحدد إلى المسجد، الحركية المسجلة عادت بالفائدة أيضا على أصحاب الحافلات الذين يعرفون إقبالا كبيرا من طرف المسافرين الراغبين في التوجه إلى هذا الحي. ويبدو أنه في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى تزويد رصيدهم بالأجر و الثواب والمغفرة، يسعى البعض الآخر إلى تزويد رصيدهم بالمال واستغلال شهر الرحمة من أجل الكسب والربح السريع، وبين هذا وذاك، تبقى هذه مفارقات الحياة.