بعدما كشف الامين العام لحزب الله حسن نصر الله ما لديه في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصوّب سهام الاتهام في اتجاه العدو الاسرائيلي، فإن الوثائق والمعطيات التي عرضها فتحت ابواب التحليلات والتوقعات على مصراعيها في اكثر من اتجاه في الداخل والخارج ليس فقط لجهة مضمونها التوثيقي وانما لما كشفت عنه من معلومات تتعلق بقدرات الحزب على خرق انظمة بث الطائرات الاسرائيلية مع ما يعنيه ذلك على مستوى التطور الذي بلغته طاقات 'المقاومة' من جهة وما سيترتب جراء ذلك على مستوى الداخل الاسرائيلي الذي يعيش وقع مفاجأة تكاد تلامس الصدمة من جهة اخرى. وقد انشغل لبنان الرسمي والشعبي امس بمتابعة ذيول مؤتمر نصر الله والقراءات المتباينة بشأنه بين قوى 8 و14 آذار فيما رفضت اسرائيل اتهامات نصر الله بالتورط في اغتيال الحريري، وقال متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية 'ان المجتمع الدولي والعالم العربي والأهم شعب لبنان يعرفون أن هذه الاتهامات سخيفة بكل بساطة'. لكن اسرائيل توقفت عند ما كشفه نصر الله حول التقاط المقاومة اشارات البث الصادرة عن طائرة الاستطلاع قبل تنفيذ عملية أنصارية وأعادت فتح التحقيق في العملية التي تحوّلت الى نكسة. من جهتها، أعلنت المتحدثة باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان السيدة فاطمة عيساوي انها في صدد تحضير رد على العرض الذي قدمه الامين العام لحزب الله في شأن اغتيال الحريري. اما المواقف السياسية لقوى 8 آذار فأيدت مضمون ما ورد في مؤتمر السيد نصر الله. واعلن رئيس 'تكتل الاصلاح والتغيير' العماد ميشال عون ان 'المعطيات قيّمة وتصلح للانطلاق في تحقيق جديد'، مشدداً على أن 'تحديد الممرات الإجبارية التي على المرء سلوكها أثناء تنقله يشكل خطراً'. وعن كشف نصر الله معطيات عن رصد جوي واستخباراتي إسرائيلي لتحركات زعماء لبنانيين بينهم الرئيس ميشال سليمان وقائد الجيش والرئيس رفيق الحريري وشخصيات أخرى، قال عون 'بالتأكيد يريدون جمع المعلومات عن الشخصيّات التي من الممكن أن تكون مستهدفة لجهة تنقلاتها وتحركاتها، يجهزون ألبوما حيث يصنفون الشخصيات. هذه المعلومات قيمة، كما أنّ الأحداث التي سبقتها أو رافقتها، والتي تكلم عنها نصر الله والمتعلقة بالإيقاع الذي كان قائماً بينه وبين الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كلها تشير إلى أنه كان هناك مسار طويل في هذا الموضوع، كما أنّ هذه المعطيات تصلح للانطلاق في تحقيق جديد، إضافة إلى ما شهدناه من عورات في التحقيق الذي حدث والسكوت عن الذين حاولوا تحوير التحقيق وتضليله'. وشدد رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان على 'أن الإسرائيليين هم أكثر من فهم واستوعب معنى الإثباتات التي طرحها نصر الله أمام اللبنانيين والعرب والعالم أجمع'، وقال 'إن كلام السيّد غطى عجز وهفوات ومواقف التحقيق الدولي والمحكمة الدولية تغطية شاملة وعبرَ منها إلى مخاطبة الإسرائيليين على مستوى التنافس في مجال التقنيات الحديثة، لا بل خاطب أصحاب القرار الحربي في إسرائيل من فوق رؤوس شبكة التشويش الداخلية على المقاومة، والإٍسرائيليون تبلغوا الرسالة وهذا هو المهم'. وأضاف في تصريح ل"القدس العربي": 'إن هذا الاختراق الذي كشف عنه نصر الله في معرض إثبات المسؤولية الإسرائيلية المباشرة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو دليل على أن المقاومة باتت تملك تقنيات أكبر بكثير وأخطر بكثير قد تكون هي المفاجأة الكبرى إذا ما اندلعت الحرب الجديدة المتوقعة، لذلك يتردد الإسرائيليون ويحاولون باستمرار استطلاع الجهوزية النوعية للمقاومة إذ ان السيد لم يكشف إلا عن رأس جبل الجليد في منظومة الدفاع الإلكتروني التكتيكي التي باتت تمتلكها المقاومة'. ورأى عضو كتلة 'لبنان الحر الموحد' النائب إميل رحمة أن 'ما قدمه أمين عام حزب الله أهم بكثير من تقرير قاضي التحقيق الدولي ديتليف ميليس وما بعده، فشهادات ميليس استندت إلى شهادات الزور، وغرفة الضاحية حيث اجتمع أربعة ضباط'. وقال رحمة 'إن معطيات نصر الله التي قال إنها قرائن ومؤشرات وليست أدلة دامغة، هي ذات مدلولات في القانون وفي مرحلة التلمّس، فإمكانية قيام إسرائيل بعملية الاغتيال إمكانية قائمة منذ وقوع الاغتيال'، وسأل رحمة 'لماذا استبعاد فرضية قيام إسرائيل بالاغتيال؟'، واصفاً التحقيق الدولي بأنه''أحادي الاتجاه وليس شاملاً'. في المقابل، خفّفت قوى 14 آذار من وقع المعطيات التي عرضها الامين العام لحزب الله، ورأى عضو المكتب السياسي في تيار 'المستقبل' مصطفى علوش أنه 'كان يجب الإفصاح عن القرائن التي قدمها حسن نصر الله أول أمس منذ زمن بعيد، لأن القرائن المادية لها علاقة بال'DNA' والبصمات، والصور هي مجرد قرائن ظرفية، إضافة الى أنه كنا وفرنا علينا الكثير من التشنجات'. وأضاف 'أن التحقيق الجنائي هو المخوّل أن يحدد ما إذا كانت المعلومات والصور التي قدمها نصر الله مهمة أو صحيحة، ولست أنا أو غيري الجهة المخولة للبت بمدى أهمية هذه المعلومات'. ودعا علوش 'مجلس الوزراء الى استعراض هذه المعلومات، والبناء على ذلك، إذ يمكن للمجلس أن يقرر ما إذا كان يجب تقديمها الى لجنة التحقيق الدولية'، وأكد 'أن فرضية إسرائيل فرضية منطقية جداً، لأن اسرائيل كانت من أكثر الناس انزعاجاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما كان يقوم به من إعمار، ولكن لا يهم السيناريو الذي يؤلفه كل واحد منا، بل المهم هو القرائن الموجودة على الأرض'. واعتبر رئيس حزب 'الكتائب' أمين الجميّل أنه 'من الناحية القانونيّة لم تأتِ المطالعة التي قدّمها أمين عام حزب الله بأي جديد بالنسبة الى مسار المحكمة الدوليّة في قضية إغتيال الحريري'. وقال: 'إن نصر الله أقرّ بأنه تقدّم بقرائن وليس إثباتات، ويمكنني أن أقول من الناحية القانونية هناك القرائن الدامغة التي تفرض نفسها على مسار التحقيق، وهناك في المقابل القرائن البسيطة'. وأوضح في هذا السياق ان 'القرائن التي تقدّم بها نصر الله هي من القرائن البسيطة، وبالتالي تبقى هامشيّة إذا ما عُزّزت بقرائن أخرى وإثباتات'.