عادة ما يقبل المواطنون، وبعد الإفطار مباشرة على المقاهي، يرتشفون القهوة أو الشاي، ويدخنون السيجارة، ويتحدثون مع أصدقائهم، فترى المقاهي بالتالي تمتلئ عن آخرها خلال ساعة او ساعتين، وهو ما جعل بعض الشبان يفكرون في نصب طاولات لبيع السجائر عند أبوابها، وهي مهنة لا تقل أرباحها عن غيرها من المهن الرمضانية. عادة ما نجد وأمام اغلب المقاهي مراهقين وحتى أطفالا ينصبون طاولات يبيعون عليها مختلف أنواع السجائر، وذلك لان مرتادي المقاهي عادة ما يكونون مدخنين، ولهذا، وقبل حتى أن يدخلوا إلى المقهى يشترون السجائر، وهو الأمر الذي دفع بعدد هائل من الذين يتاجرون بالسجائر إلى اتخاذ ركن المقهى المكان المفضل لمزاولة نشاطهم، وفي رمضان، فان الأمر يتحول إلى تجارة مربحة خاصّة وان الجميع يقصد المقاهي في ساعة واحدة، أي أن ساعتين او ثلاثا من العمل تعوض نهارا كاملا، فحتى الذي يشتغلون في النهار صار بإمكانهم أن ينصبوا طاولاتهم ليلا، وهو ما وقفنا عليه. التقينا بسمير والذي ينصب طاولته بالقرب من إحدى "المحشاشات"، ويفعل ذلك في كل رمضان، خاصة وان المحل لا يفتح إلاّ في هذا الشهر، او بالأحرى فان صاحبه لا يحوله إلى "محشاشة" إلا في رمضان، بعدما يكون طيلة أيام السنة مجرد كشك هواتف عمومية، فيقوم سمير، 19 سنة، باستغلال الوضع، وينصب طاولته أمام المحل، وذلك لكي يربح الزبائن الذين يقصدونه، وهو يفعل ذلك منذ أزيد من ست سنوات، ولأنه كان يدرس في النهار، فلم يكن له من حل إلاّ الاسترزاق ليلا، وبيع السجائر أمام المقهى، ولأنه وجد فيها تجارة مربحة، فقد دأب عليها، يقول:"تساعدني هذه التجارة كثيرا، خاصة في مصاريف الدخول المدرسي، ففي كل سنة اشتري بثمن ما اجنيه منها ملابس وأدوات وكل ما احتاجه لكي ابدأ سنتي الدراسية على الأقل، ولو أنني لا استطيع بعدها أن أوفر نقودا واضع جانبا بعض الدنانير، إلاّ أنني على الأقل أوفر على أسرتي مصروف بداية السنة، وهو الأمر الذي انوي أن استمر فيه حتى بعد دخولي إلى الجامعة، هذا إن لم أجد عملا إلى جانب دراستي، فسأبقى أبيع السجائر، لكني لا استطيع أن افعل ذلك في غير رمضان، لان هذه "المحشاشة" تغلق أبوابها من جهة، ومن جهة أخرى فإنني لا اجني في ساعات المساء في غير رمضان ما اجنيه في رمضان، لأنّ الناس يرتادون المقاهي على فترات متقطعة، في الصباح ثم في ساعة الإفطار ثم في الليل أحيانا". وهو ما قاله لنا سليم،17 سنة، كذلك والذي يعمل أمام مقهى بشارع هواء فرنسا، حيث أنه هو الآخر يعمل في شهر رمضان من كلّ سنة، ولأنّ صاحب المقهى هو صديق له، ويستطيع تمكينه من أن يحتل ولو جزءا بسيطا من مساحة المقهى لينصب طاولته، لذلك كله فقد فكر في يفعل، وفي شهر رمضان تحديدا، لان الإقبال فيه على المقاهي، وعلى السجائر في السهرة يكون كبيرا، يقول لنا:"كلّ رمضان من كل سنة، انصب طاولة السجائر والحلوى التي ترون، وذلك حتى اربح القليل من المال قبل بداية السنة، وقد كنت قبل هذا أبيع بعض المأكولات الرمضانية من ديول وحلويات وغيرها، فانا في الحقيقة أهوى التجارة، ولولا أسرتي التي فرضت علي الدراسة والنجاح فيها فتركتها وأنجزت مشروعا خاصّا بي، حتى وان انطلقت من نقطة الصفر، فهذا لا يهمني، فانا في النهاية لا بدّ أن اختصّ في التجارة آجلا أم عاجلا،فلمَ لا افعل ذلك الآن؟".