تعوّدنا مع بداية كل يوم قبل أن تلقي الشمس خطوطها المضيئة على الأرض أن نشاهد أعدادا كبيرة من الرجال يتجمّعون في المقاهي في العديد من مناطق ولاية الطارف لا لشيء إلا لارتشاف أكواب القهوة والشاي· الأمر قد يبدو عاديا، لكن أن تظل المقاهي مملوءة طيلة اليوم، ما يدفع إلى التّساؤل حول هذه الظاهرة التي أصبحت ميزة المجتمع الطارفي هل هي عادة أم هي قتل للوقت في ظل ما يعانيه معظم السكان من فراغ؟ قامت ''الفجر'' بجولة استطلاعية إلى بعض شوارع عاصمة ولاية الطارف وبلدية العصفور، لمعرفة السبب الذي يدفع بالرجال والشباب إلى قضاء أكبر وقت في المقاهي· لا تحلو القهوة وقراءة الجريدة إلا بالمقهى أجمع معظم الشباب المستجوبين أن السبب الرئيسي الذي يدفعهم إلى دخول المقاهي، هو ارتشاف فنجان قهوة مركّز وقراءة الجريدة بالدرجة الأولى، حيث تعتبر المقاهي المكان المفضل لمعرفة المستجدات الحاصلة قبل الالتحاق بمنصب العمل· وفي هذا الخصوص، يحدثنا نصر الدين، موظف بمؤسسة عمومية، قائلا ''على الرغم من أني أشرب القهوة قبل الخروج من المنزل، إلا أن قهوة المقهى لديها نكهة لا نظير لها، بحيث أتوجه يوميا إلى المقهى الذي تعوّدت الجلوس فيه، أطلب قهوتي وأتصفّح الجريدة ورقة بورقة· وعلى العموم، جلوسي في المقهى لا يتجاوز ساعة من الزمن بعدها التحق بمنصب عملي، وإن حدث وصادفت صديقا لي فإننا نطيل الجلوس للدردشة حول بعض المواضيع، ولا أخفي عليكم يكون ذلك على حساب عملي في كثير من الأحيان''· فيما نسمع الكثير من الشباب يتحدثون إلى أصحابهم قائلين ''كي نتلقاو في القهوة نتفاهمو'' أو نسمع ''جيب السلعة للقهوة نتفاهمو عليها أو ''نعطيك دراهمك فالقهوة'' وغيرها··· وتدل هذه التعابير على أن المقهى في ثقافة الطارفيين على الخصوص تعد أفضل مكان لإبرام العقود وحل النزاعات والتفاهم على أمور البيع والشراء· وأفادنا فوزي، تاجر في الهواتف النقالة بالطارف، بالقول ''أعتبر أن المقهى أحسن مكان لبيع السلعة، فإلى جانب أني معروف فيه لكثرة ترددي عليه، فإن هذا الأخير يقصده العديد من الناس من شرائح مختلفة، وبالتالي تعد فرصة لأربط الكثير من العلاقات ولأبيع العديد من الأجهزة''· وأكد لنا أن ما يبيعه في المقهى أكبر مما يبيعه في المحل بكثير· ويعتبر البعض الآخر المقاهي المكان المناسب لمناقشة بعض المسائل العائلية، وذلك بشهادة بعض الأشخاص الذين تحدثت إليهم ''الفجر''، حيث كشفوا لنا بأن بعض المتزوجين حديثا يهربون من المنازل عند وقوعهم في بعض الخلافات مع زوجاتهم ويعتمدون على أصحابهم لحل مشاكلهم، وذلك بالدردشة فيها على طاولة المقهى· المقهى متنفس لمن لا عمل له وأقرّت شريحة من الشباب المستجوب على مستوى بلدية عصفور بأن المقاهي تعد بمثابة المنزل الثاني لهم خاصة في ظل البطالة التي تشهدها المنطقة، بحيث يتوجّه إليها من لا يجد مكانا يذهب إليه من أجل قتل الوقت أو سد الفراغ· وفي فصل الشتاء، تكتظ المقاهي إلى درجة دفعت بعض أصحاب المقاهي إلى التقليل من عدد المقاعد والطاولات لاستيعاب أكبر عدد من الزبائن· هذا ما لمسناه ونحن نتحدث إلى أحد أصحاب المقاهي الذي قال إن ''هناك عددا كبيرا من الشباب البطال الذي بمجرد أن يطلع النهار حتى يصطفوا أمام المقهى فيطلبون فنجان قهوة أو شاي ويظلون واقفين أو جالسين إلى غاية منتصف النهار، بعدها ينصرفون لأخذ وجبة الغذاء ويعودون مساء وهكذا دواليك· وهي وجوه أصبحت مألوفة بالنسبة لي''· بينما يرفض البعض الآخر من الرجال الدخول إلى المقهى من منطلق أنها أماكن غير صحية يكثر فيها الضجيج ودخان السجائر، خاصة إن كانت مغلقة، حيث تتحوّل القاعة إلى مكان ملوث بالدخان· وهو ما حدّثنا حوله أحدهم قائلا ''شخصيا لا أشرب القهوة ولا أدخن ولا أحب الدخول إلى المقاهي إلا مجبرا، فإن دعاني شخص ما لا أرفض ولكن بالمقابل لا أطيل المكوث فيها لأني أكون غير مرتاح· وأرى أن المقاهي هي أماكن غير صحية يتردّد عليها كل الشرائح، كونها أقل ثمنا بالمقارنة مع قاعات الشاي الراقية كما أنها مزدحمة ويكثر فيها الكلام البذيء''· وقد حاولت ''الفجر'' إظهار موقف الدّين من شريحة الرجال والشباب الذين يطيلون الجلوس في المقاهي، حيث تحوّلت هذه الظاهرة عند البعض إلى عادة لا يمكن التخلي عنها ولو على حساب بعض الأمور المهمة كالعمل أو العائلة، إذ حدثنا إمام مسجد بالطارف قائلا إن الدين الإسلامي لا يمنع بتاتا جلوس الرجل بالمقهى، ولكن شرط أن ينضبط بجملة من الضوابط الشرعية وعلى رأسها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجنّب الحديث عن عيوب الناس واللغو وضرورة الابتعاد عن التلفظ بالكلام الفاحش كالسب وغيره· ناهيك عن أن الجلوس في المقهى ينبغي ألاّ يلهي الرجل عن ذكر الله وعن القيام بأعماله ومسؤولياته تجاه أسرته· مضيفا أنه بما أن هذه الضوابط الشرعية قليلة في مجتمعنا لأن الكثير من الناس يجهلونها، يتوجّه بنصيحته عبر الجريدة إلى المدمنين على الجلوس في المقاهي بألاّ يطيلوا المكوث فيها لما في ذلك من مضيعة للوقت وإهدار للمسؤوليات·