الصوم مدرسة خلقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة، فهو جهاد للنفس، ومقاومة للأهواء ونزعات الشيطان، ويتعود به الإنسان على خلق الصبر على ما قد يُحرَم منه، وعلى الأهواء والشدائد التي قد يتعرض لها، لذلك قال عليه السلام: الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْر ِ(الترمذي: 11/425) والصوم يعلِّم الأمانة ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصَّوْمُ جُنَّةٌ (أحمد: 18/291). والصوم يساعد على صفاء الذهن، واتقاد الفكر، ويقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويعوِّد الصائم على ضبط نفسه ويمكِّنه من السيطرة عليها والإمساك بزمامها،بحيث لا يكون مستسلماً لها بل مستسلماً لأوامر ربه عز وجل، ويرشدنا إلى ضبط أنفسنا في انفعالاتها بقوله: وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم ٌ(البخاري: 6/474) والصيام الكامل يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرَّم والغش وسائر المحرمات، وفى الحديث الشريف: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ(البخاري: 6/472) ومن حيث البعد الاجتماعي لرمضان فهو شهر التضامن والمواساة، ينمِّي في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة، والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط المسلمين فيما بينهم، فيدفعه إحساسه بالجوع والحاجة إلى صلة الآخرين، والمساهمة في قضاء حوائجهم، فتقوى أواصر الروابط الاجتماعية بين الناس، ويتعاون الكل في تحقيق مصالح المجتمع وخدمة أفراده. والمجتمع الذي تنبت فيه العواطف وتغشاه الرحمة يعمه البر ويكثر فيه الإحسان هو المجتمع الصالح السعيد بفضل قوة الإيمان الصحيح، وأسوتنا في ذالك رسولنا الكريم في جوده وكرمه في رمضان ،فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:« كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» (متفق عليه). ومعنى أجود النّاس: أكثَر النّاس جوداً، وَالجود هو الكرم، وهوَ من الصِّفات المحمودة (فتح الباري لابن حجر:1/6)، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر. والصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب. والصيام يعود الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن، وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله وأنجز ما يوكل إليه من المهام على الوجه الأكمل، وعف عن الحرام أيًّا كان نوعه، وعاش موفقاً راضياً مرضياً عنه، وأفاد منه مجتمعه إفادة كبيرة.