التوبة واجبة على كل مسلم من كل ذنب، كبيراً كان أو صغيراً، وأكدت دلائل من الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة على وجوب التوبة لأنها علاجٌ للغفلة وانشغال العبد بمعصية الله عن طاعته، فالمسلم العاقل الذي يقوِّم نفسه ويأخذ بزمامها إلى ما فيه مرضاة الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإن جنحت نفس الإنسان إلى الوقوع في المعاصي والانهماك في الشهوات المحرمة، فإن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. مهما أسرف العبد في الذنوب، ثم تاب منها فإن الله يغفرها جميعا، حيث أشار الدكتور محمد عبد الغني شامة الأستاذ بجامعة الأزهر إلى قوله عز وجل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) سورة الزمر الآية 53، موضحاً أن القنوط من رحمة الله هو الجزم بأن الله لن يرحمه، ولن يغفر له وسيعذبه. وقال الدكتور شامة، بحسب (الاتحاد)، إنَّ ذكر دعاء طلب التوبة والمغفرة من الله تعالى ورد في آيات عدة منها قوله تعالى: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) سورة البقرة الآية 128، المقصود بالمناسك في الآية الحج ويحتمل أن يكون المراد بها الدين كله والعبادات كلها ومهما كان إيمان العبد بالله كبيرا لابد أن يعتريه التقصير في أداء تلك العبادات، ويحتاج إلى التوبة فلذلك أوجب الله تعالى على عباده التوبة. حملة العرش كما أشار إلى أن قوله تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلُح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) سورة غافر الآيات 7-9، دعوة من الله تعالى للمذنبين إلى التوبة والإنابة والاستغفار، مدللاً على ذلك بما ورد من في كتاب الله (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب). ومن جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة أن الملائكة -لا ذنوب لهم - يستغفرون لأهل الإيمان ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم إلا بها ذكر الله تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، ومنها أنهم تابوا من الشرك والمعاصي واتباع الرسل وتوحيد الله وطاعته، وتضمَّن دعاء الملائكة كمال معرفتهم بربهم والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى. ونبه الدكتور شامة إلى أن الله تعالى حث عباده على التوبة قبل الموت وانقضاء الأجل في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) وقوله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) سورة النور الآية 31، موضحاً أن الله تعالى دعا جميع عباده إلى التوبة حتى لمن قال إن يد الله مغلولة ومن ادعى أن لله صاحبة وولدا قال لهم (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) سورة المائدة الآية 74، كما دعا الله تعالى فرعون إلى التوبة مع زعمه أنه لا إله غيره وأنه ربهم الأعلى فقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا ليِّنا لعله يتذكر أو يخشى) سورة طه الآيتان 43-44 . أكبر الكبائر وبيَّن الدكتور محمد عبد الغني شامة أن التوبة تجب على العبد حتى من أتى بأكبر الكبائر وأشرك بالله وقتل النفس بغير حق وزنا فالتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب، حيث قال تعالى (ومن يفعل ذلك يلق آثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) سورة الفرقان الآيات من 68-70، وأوجب الله تعالى التوبة على المنافقين في كتابه العزيز (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما) سورة النساء الآيتان 145-146. وذكر شامة أن هناك أحاديث نبوية كثيرة تحث على التوبة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) وقال: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه، مشيراً إلى أن قصة امرأة من جهينة لما زنت وحملت ووضعت ثم شدت عليها ثيابها وأمر بها فرُجمت ثم صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟ الإقبال على التوبة كما أشار الدكتور شامة إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلقْ إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرضُ سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملكٌ في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة). وأوضح أن التوبة النصوح لها شروط يجب توفرها حتى يتقبلها الله منها: الإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى والإخلاص لله تعالى في التوبة رجاء ثوابه وخوفا من عقابه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. * التوبة تجب على العبد حتى من أتى بأكبر الكبائر وأشرك بالله وقتل النفس بغير حق وزنا فالتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب، حيث قال تعالى (ومن يفعل ذلك يلق آثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) سورة الفرقان الآيات من 68-70. * أوجب الله تعالى التوبة على المنافقين في كتابه العزيز (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما) سورة النساء الآيتان 145-146.