لازال مواطنو الحي الفوضوي القديم، شارع (سالياج) الذي يعد من أقدم البيوت القصديرية بالعاصمة والذي تعود نشأته إلى 60 سنة، والواقع على مستوى بلدية الأبيار بالعاصمة، يعيشون حياة بدائية وتهميش ومعاناة في بيوت قصديرية تغيب فيها أدنى المرافق الضرورية للحياة من ماء وكهرباء وغاز، مما جعلهم يتخبطون في الحرمان والتهميش أمام غياب السلطات المحلية وضربها لشكاويهم وانشغالاتهم عرض الحائط. وما زاد من تأزم حياة تلك العائلات ال 45، هو غياب أدنى صفات الحياة الانسانية كون سكناتهم تتواجد في إحدى المنحدرات المهددة بانزلاق التربة والمعرضة للإنهيار في أي لحظة، وما زاد الوضع سوءا هو أن المياه القذرة تصب في ذلك المنحدر نتيجة تشييد قنوات الصرف الصحي بطريقة تقليدية عبارة عن مطامير والتي تعرض تلك العائلات لكارثة إيكولوجية ولأمراض معدية، ناهيك عن مفرغة النفايات التي تتراكم فيها كل أوساخ المنطقة الأمر الذي أدى إلى انتشار مختلف الحشرات والحيوانات الضالة. ومن أجل نقل معاناة هؤلاء السكان الذين يقطنون الحي منذ أزيد من 60 سنة في نفس الظروف من الحرمان وانعدام شروط الحياة، انتقلت (أخبار اليوم) إلى عين المكان، ولدى وصولنا استقبلنا بعض القاطنين بوجوه كلها استياء وعلامات البؤس والشقاء والمعاناة بادية على ملامحهم، وعند دخولنا عبر طريق ضيق محاذي للمنحدر المقيمة عليه بيوتهم المشيدة من (الباربان) والصفيح، اندهشنا مما شاهدناه من مياه قذرة وأكوام النفايات التي تجمعت بالحي بسبب تعذر دخول شاحنات النظافة نظرا لطبيعة المكان. وفي حديثنا مع بعض العائلات التي تقطن الحي، أبدوا استيائهم والحسرة بادية على وجوههم متسائلين لماذا هذا التهميش والتغاضي: (ألسنا جزائريين وننتمي إلى الجزائر؟) وأردف محدثونا قائلين: (نحن أبناء العاصمة أب عن جد، فأصغر أبنائنا عمره 35 سنة، خرجت فرنسا ونحن نقيم بهذا المكان). وفي السياق ذاته أعربوا عن معاناتهم جراء حياة الذل والهوان والمأساة التي يعيشونها منذ سنوات خلت دون أن تتحرك السلطات المحلية والولائية على العمل لإنهاء مسلسل الشقاء والحرمان رغم رفع شكاويهم المتعددة في كل مناسبة حسبهم إلا أن المسؤولين ضربوا انشغالاتهم عرض الحائط. كما وصفوا تهميشهم بالإجحاف والظلم في حقهم، وأضاف محدثنا السيد محمد البالغ من العمر (56 سنة) قائلا: (أيعقل أن تتواجد سكنات قصديرية بمحاذاة أكبر المؤسسات الحساسة في الدولة على غرار وزارة الدفاع ومتحف أبو ليلى بشارع مويار وفندق الأوراسي والمؤسسة العقابية سركاجي، ولا مسؤول يتحرك لإيجاد حل لترحيلنا إلى سكنات لائقة كباقي البيوت القصديرية التي مستها عملية الترحيل). وأضاف نفس المتحدث أن رغم الوضعية الحرجة وتقاسمهم المكان مع شتى الحيوانات من جرذان وثعابين التي تنتشر كالطفيليات بعين المكان والتي تهدد حياتهم وأطفالهم، إلا أنهم لم يقدموا يوما على أعمال الشغب أو الاحتجاج وقطع الطرق كما فعل باقي سكان الأحياء القصديرية، رغم أن الحي لا تفصله عن مفترق الطرق إلا أمتار فقط. وأمام هذه الأوضاع المزرية والتي وصفها محدثونا بالحياة الحيوانية و(الميزيرية)، ناشدت تلك العائلات السلطات المحلية والولائية النظر في انشغالاتهم والعمل على ترحيلهم إلى سكنات لائقة، ترفع عنهم الغبن وحياة الذل والمعاناة التي يتقاسمونها مع الثعابين والزواحف، وتفك عنهم العزلة المفروضة عليهم بقلب العاصمة، مؤكدين على الوضعية الاجتماعية القاهرة وضعف مداخليهم الشهرية، وفقرهم وعدم امتلاكهم لمأوى يحميهم من التشرد بالشوارع. ولدى حديثنا معهم استنكروا بشدة سياسة التهميش والإقصاء المفروضة عليهم من طرف السلطات المحلية التي لم تتدخل لتسوية وضعيتهم السكنية، رغم تقدمهم لتلك السلطات بشكاويهم بعدما آلت سكناتهم إلى الانهيار نتيجة تعاقب الكوارث الطبيعية حيث صارت مساكنهم غير قابلة للسكن، واسودت حياتهم وأصبحت لا تطاق. فقد أكد لنا هؤلاء أن حيهم لا يتوفر على ناقل للكهرباء مما يجبرهم على كراء الكهرباء التي يوصلونها بمنازلهم من طرف بعض البيوت المجاورة للحي بأجرة غالية، وبطريقة فوضوية تهدد حياتهم وحياة أطفالهم، كما أضاف هؤلاء القاطنون أن الحي يفتقر إلى شبكة المياه، وغاز المدينة. وما زاد من تخوف وقلق السكان هو تلك الأمراض والأوبئة التي تهدد حياتهم وحياة أولادهم، خصوصا أن هؤلاء لا يعرفون مكانا آخر للعب إلا وسط تلك المفرغات والنفايات مما يجعلهم معرضين للأمراض جراء تلك الروائح الكريهة والأوساخ، التي قد تؤدي بحياتهم إلى الموت الأكيد. كما أن تلك الأوساخ والقذارت تسببت في عدة أمراض للسكان على غرار الربو والحساسية ناهيك عن انتشار الحشرات الضارة، ومعاناتهم مع البعوض الذي نغص عليهم راحتهم ونومهم، كما أن الحي يعرف انتشار مذهل للجرذان والثعابين التي تزحف في الغالب إلى داخل البيوت لتتقاسم مع تلك العائلات حياتها، إلى جانب القوارض والحشرات الضارة. وفي ختام حديثهم، أشاروا إلى أن الوضع يزداد تدهورا وتأزما في فصل الشتاء، حيث تتحول بيوتهم إلى مسابح جراء الأوحال التي تجرفها مياه الأمطار، مما يجبر العائلات على قضاء ليالي بيضاء خارج منازلها، وفي ذات الصدد قال أحد المواطنين أن المسؤولين لا يعرفوننا إلا في مواعيد الانتخابات، وبذلك أجمع معظمهم على مقاطعة الانتخابات المحلية هذه السنة وأن لا يمنحوا أصواتهم لأي مسؤول مهما كانت الظروف، لأن رئيس البلدية لم يخدم مصالحهم على الإطلاق، حتى الماء الذي هو عنصر أساسي للحياة ُحرموا منه بسبب رفض رئيس البلدية تزويدهم بهذه المادة، ليبقى هؤلاء يتخبطون في مشاكل لا نهاية لها، ولكم أن تتصوروا وضع تلك العائلات في بيوت قصديرية بلا ماء؟. وفي الأخير، حمَّلونا توصيل معاناتهم واستغاثتهم إلى السلطات العليا في البلاد، قبل حلول فصل الشتاء -على حد تعبيرهم- آملين الفرج في أقرب الآجال.