لازال قاطنو الحي الفوضوي بمزرعة مختاري التابع إقليميا لبلدية بواسماعيل ولاية تيبازة، يعيشون التهميش والمعاناة في بيوت قصديرية تغيب فيها أدنى المرافق الضرورية للحياة. هو واقع مخزٍ وعصيب؛ حيث يعيش هؤلاء في »مملكة« تحاصرها المزابل والثعابين وحيوانات ضالة تهدد أمن 400 عائلة! يُعتبر الحي من بين أقدم وأكبر المواقع القصديرية ببواسماعيل؛ حيث يفوق العدد السكاني به أكثر من 400 عائلة انحدرت من المدن الداخلية، على غرار تيارت والشلف وغيلزان وغيرها من المناطق الداخلية الأخرى، التي فرت من بطش الإرهاب إبان العشرية السوداء، واتخذت مساكن شُيدت من صفيح الزنك والبلاستيك بالقرب من واد خميستي؛ حيث تنعدم بالحي المذكور كل متطلبات العيش الكريم؛ من ماء وكهرباء وغاز، ما جعلهم في أزمة الحرمان والتهميش أمام غياب السلطات المحلية وتجاهلها وضربها لشكاويهم وانشغالاتهم عرض الحائط. وما زاد من تأزم حياة تلك 400 عائلة هو غياب أدنى مظاهر الحياة الإنسانية، وكون سكناتهم تتواجد في واد خميستي الذي هو في حالة كارثية وخطيرة؛ إذ أصبح قناة لصرف المياه القذرة، ومفرغة للنفايات، تتراكم فيها كل أوساخ المنطقة، ناهيك عما تسببه من روائح نتنة تسببت في انتشار كل الحشرات الضارة والبعوض والناموس، خصوصا مع اقتراب موسم الصيف، إذ تنتشر كل الأوبئة سيما ما تتميز به المنطقة من تراكم شتى المزابل والنفايات. وما زاد من تفاقم الوضع رميها بالواد المحاذي. ومن أجل نقل معاناة هؤلاء السكان الذين يقطنون الحي منذ أزيد من 20 سنة في تلك الظروف القاهرة والحرمان من أبسط شروط الحياة، انتقلت »أخبار اليوم« إلى عين المكان، وبمجرد وصولنا استقبلنا بعض المقيمين بوجوه كلها استياء وعلامات اليأس والشقاء والمعاناة بادية عليها. وعند نزولنا عبر الطريق المحاذي للواد انبهرنا بما شاهدناه من مياه قذرة ونفايات تتجمع على كافة ضفاف الوادي على مدار كل المسار الذي تتواجد فيه أكثر من 400 بيت فوضوي! وعند وصولنا إلى الحي وفي حديثنا مع بعض العائلات التي تقطن الحي، رفعوا عبر صفحاتنا شكاويهم، وأعربوا عن معاناتهم جراء حياة المأساة التي يعيشونها، حيث ناشد هؤلاء السكان السلطات المحلية والولائية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، النظر في مشكلتهم في أقرب الآجال، والرد على انشغالاتهم، والعمل على ترحيلهم إلى سكنات لائقة، تنجيهم من حياة الذل والمعاناة التي يتقاسمونها مع الجرذان والحشرات والحيوانات الضالة، وتفك عليهم العزلة، خصوصا وأن الحي يتواجد في منطقة بعيدة عن مركز المدينة؛ مما يجبرهم على السير على الأقدام لمسافات بعيدة من أجل قضاء حاجياتهم اليومية بعدما صارت حياتهم داخل البيوت القصديرية بلا معنى! وطالب هؤلاء السكان السلطات بتسوية وضعيتهم العالقة بإعادة إسكانهم في أحياء سكنية لائقة بعد أن أبدوا استياءهم من المعاناة اليومية التي يعيشونها وسط ذلك الحي القصديري، الذي يعرف فوضى عارمة، مؤكدين أن الوضعية الاجتماعية المزرية وضعف مداخليهم الشهرية، وفقرهم وعدم امتلاكهم لمأوى يأويهم ويحميهم من الشارع، وهروبهم من مجازر الإرهاب، تُعد من بين الأسباب الرئيسة التي دفعتهم إلى اللجوء إلى هذا المكان لتشييد سكنات فوضوية والاستقرار فيها، تفاديا لوقوعهم في مشكلة التشرد. ولكن وحسب ما أكده هؤلاء فقد تدهورت أمورهم في الحي خلال السنوات الأخيرة بعد أن تعرضت سكناتهم إلى اهتراء وتساقط أجزاء منها بدافع الظروف الطبيعية التي عرفتها السنوات الأخيرة، إضافة إلى عائق الواد الذي بات هاجسا وخطرا بعدما تحول إلى مزبلة عمومية وقناة صرف المياه القذرة، هذا ما جعل حياتهم تتأزم. ولدى حديثنا إليهم استنكروا بشدة سياسة التهميش والإقصاء المفروضة عليهم من طرف السلطات المحلية، التي لم تتدخل لتسوية وضعيتهم السكنية رغم تقدمهم لتلك السلطات بشكاويهم بعدما اهترأت سكناتهم وصارت غير قابلة للسكن، واستاءت حياتهم وأصبحت لا تطاق، فقد أكد لنا هؤلاء أن حيهم لا يتوفر على ناقل للكهرباء؛ مما يُجبرهم على كراء الكهرباء التي يوصلونها بمنازلهم من طرف بعض البيوت المجاورة للحي بأجرة غالية، وبطريقة فوضوية تهدد حياتهم وحياة أطفالهم. كما أضاف هؤلاء القاطنون أن الحي يفتقر إلى شبكة المياه والغاز. وما زاد من تخوف وقلق السكان هو تلك الأمراض والأوبئة التي تهدد حياتهم وحياة أولادهم، خصوصا أن هؤلاء لا يعرفون مكانا آخر للعب إلا بالواد المحاذي لمساكنهم، الذي يُعد مفرغة للنفايات مما يجعلهم معرضين للأمراض جراء تلك الروائح الكريهة والأوساخ، التي قد تؤدي بحياتهم إلى الموت البطيئ! كما أن تلك الأوساخ والقذارة تسببت في عدة أمراض للسكان على غرار الربو والحساسية، ومعاناتهم مع الذباب والبعوض الذي يحرم عليهم راحة العيش والنوم. والحي يعرف انتشار الجرذان والأفاعي والثعابين التي تزحف في الغالب إلى داخل البيوت، لتتقاسم مع تلك العائلات حياتها، إلى جانب انتشار القوارض بشكل رهيب للغاية! فضلا عن انتشار كل أنواع الجراثيم الناتجة عن تعكر مياه وادي خميستي، وعن الروائح الكريهة التي تسيطر على المكان! وفي حديثهم أشاروا إلى أن الأمر يزداد سوءا وتأزما في فصل الشتاء؛ حيث يرتفع منسوب مياه الوادي؛ ما يؤدي إلى فيضانه، وهو ما يهدد السكان لا سيما وأن السكنات تقع بمحاذاة الوادي. هذا الأخير الذي غالبا ما يشهد ارتفاعا في منسوب مياهه كل فصل شتاء، فيجبر السكان على ترك منازلهم والفرار بعيدا، في انتظار عودة المياه إلى مستواها الطبيعي وهدوء الوادي. وصيفا تنتشر الروائح الكريهة وتكثر الحشرات بشكل لا يوصف، فتزداد معاناة السكان. وفي هذا السياق، ناشد سكان الحي عبر صفحاتنا السلطات العليا في البلاد إدراج حيهم ضمن برنامج بوتفليقة الصادر بالقضاء على السكنات الهشة، وترحيلهم إلى سكنات لائقة كباقي المواطنين الجزائريين. كما قالوا إن نزوحهم كان ضرورة ملحة وهروبا من المجازر البشعة التي خلفها الإرهاب ولم يكن تموقعهم بهذا الحي بمحض إرادتهم. وحسبهم لو سخّرت لهم السلطات سكنات بولاياتهم الأصلية لرحّبوا بكل امتنان، فالمهم انتشالهم من الدائرة المظلمة التي يتخبطون فيها في غياب أدنى متطلبات الحياة الكريمة.