ما أبعدنا اليوم عن جوهر رمضان الذي هو أكثر شيء فرصة للتعبد وتلاوة القران وربح الأجر والحسنات، لكن البعض لم يدركوا هذا، وجعلوا منه فرصة للأكل المفرط، والسهرات التي لا تخلو من الحلويات ومختلف المرطبات والمشروبات، والتي يقبلون عليها بنهم شديد كما لو كانوا يحاولون تعويض ما حرموا منه يوما كاملا والتحضير لما سيحرمون منه يوما آخر. بعض المواطنين لا يمضون يومهم إلا في التحضير لمائدة الإفطار، فمنذ الصباح الباكر لا ينحصر تفكيرهم إلاّ في ما سيأكلونه في المساء يذهبون إلى السوق لاقتناء مختلف المواد الغذائية والخضر والفواكه لتحضير مختلف الأطباق، والتي سيأكل بعضها ويكون مصير البعض الآخر سلة المهملات، وبعد أن يمضي نصف يومه في التبضع والتسوق، يمضي النصف الآخر في شراء الحلويات ومن مختلف مناطق الوطن، خاصة إن كان يملك وسلة للتنقل، فيمضي ساعات في شراء بعض الحلويات. أما حين يحين وقت الإفطار فتجدهم ينهالون على تلك المأكولات فيصيبون منها ما استطاعوا، ويبقون على تلك الحال حتى يصابوا بوعكات قد تؤدي بهم إلى المستشفى، بل إنهم قد يشعرون ببعض الألم، وعوض أن ينتهوا عن الأكل الزائد فإنهم يقاومون وجعهم ويستمرون في الأكل، ومن بين الأشخاص الذين انتهى بهم نهمهم في المستشفى نذير الذي صارحنا بأنه وفي أول يوم من رمضان شعر طيلة النهار كأنه لم يأكل منذ سنة، وانه لذلك راح ينتظر وجبة الإفطار بفارغ الصبر، خاصة وانه ساعد أمه على تحضيرها، وما إن أعلن المؤذن عن آذان المغرب حتى انهمك في الأكل، ولم يستطع القيام من على الطاولة، واحتاج إلى وقت من الراحة، لكنه عوض أن يتعظ فقد راح يأكل الحلويات بكثرة، إلى أن أصابته وعكة شديدة في بطنه جعلت أسرته تنقله إلى المستشفى خاصة وانه كان في حالة مزرية، لكنه بعد ذلك، لم يعد يأكل كثيرا، فهو في الأصل ليس نهما، ولكنه في اليوم شعر بالتعب والجوع واشتهى كل أصناف المأكولات، ما جعله عاجزا على مقاومتها على مائدة الإفطار. أما سميرة فقد عانت هي الأخرى من آلام لم تفارقها لمد ة أسبوع كامل، بعد أن أفرطت في الثلاثة أيام الأولى في الأكل، حيث راحت تأكل كل شيء على المائدة، وجعلها تنوع الأطباق التي التهمتها تصاب بألم لازمها لأسبوع كامل ما اجبرها على أن تقلل من الأكل طوال تلك المدة، وتحرم نفسها بالتالي من الكثير من الأطباق التي كانت ستتناولها بشكل عادي لو أنها لم تفرط في الأكل، فأين نحن من قول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام:" نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" وماذا نستفيد صحيا من رمضان إذا كنا نعوض عند الإفطار وفي السهرات الرمضانية وفي السحور أيضاً عن حرماننا من الأكل والشرب طيلة النهار بأضعاف ما نتناوله من وجبات في غير رمضان؟