تغيرت أمور كثيرة في الآونة الأخيرة، أمور لها صلة بمجتمعاتنا العربية العريقة، فقد اندثرت قيم ومبادئ ومثل عليا وانتشرت عادات غريبة شاذة دخيلة على ثقافتنا وأخلاقنا، عادات مستوردة من الغرب، فبعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا التي قرَّبت البعيد، أصبح من السهل على أي شخص التعرف على ثقافة وطريقة عيش الآخر بواسطة الأنترنيت والفضائيات المنتشرة، مما جعل لها تأثيرا سلبيا على مجتمعاتنا الإسلامية، خاصة وأنه من الصعب جدا التحكم في المستجدات التي يصَدرها لنا الغرب والتي لم نكن نسمع بها من قبل أو نتخيل حدوثها. ويلاحظ المتجول في الشارع الجزائري أنه هو كذلك غارق فيما يسميه الشباب بالموضة والنيولوك والتشبه بالممثلين والسينمائيين والرياضيين الأجانب في لبسهم وتسريحات شعرهم والإكسسوارات التي يضعونها، بل وصل الأمر ببعضهم إلى أكثر من هذا حيث بدؤوا بوشم أجسامهم وثقب آذانهم وغيرها من البدع التي لا تمتُّ إلى الدين ولا لأعرافنا بصلة، هذا ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب وراء انغماس شبابنا في ثقافة الآخر، وهل أصبح الغرب هو قدوتنا في كل ما يتعلق بأمور حياتنا؟ تقول الأستاذة آيت حمودة، أستاذة علم النفس بجامعة بوزريعة: هناك عدة مؤسسات مسؤولة عن تكوين شخصية الفرد وتتمثل في الأسرة والمدرسة والمجتمع العام كالمساجد والأحياء ووسائل الإعلام، وأهمها الأسرة التي تعتبر اللبنة الأساسية في العملية التربوية، لذا فنقص الرقابة من الأهل يسمح للأطفال باتباع كل مايرونه على الفضائيات التي تعتبر أهم سبب في نشر سلوكيات وعادات الغرب. واستشهدت الأستاذة بمقولة أننا (نتأثر بالنماذج الموجودة أمامنا) لألبرت باندورا صاحب نظرية التعلم الاجتماعي أو التعلم بالملاحظة، حيث لفت الإنتباه إلى أن أنماطا كثيرة من السلوك يتم تعلمُها من خلال ملاحظة الآخرين وتقليدهم. بل أكثر من هذا -تضيف محدثتنا- أن هناك بعض الأولياء لا يعترضون على تصرفات أولادهم وينظرون إلى الأمر على أنه تفتح على ثقافة وحضارة الآخر، بالتالي ما المانع من التجربة مادامت لاتتعارض مع القيم الدينية والمجتمعية. وهذا ما أكدته لنا السيدة نوال، عندما أخبرتنا أن ابنها من الأشخاص الذين يقلدون الرياضيين في شكلهم وتسريحة شعرهم وأن هذا الأمر لا يزعجها لأنه يتعلق بالشكل فقط، فهو كما قالت: له عقلية جزائرية محضة، كما أنه يؤدي واجباته الدينية والاجتماعية زيادة على احترامه لوالديه وغيرته على أخواته البنات فهل الأوروبي والأمريكي يغار على أخواته؟ وأكدت أنها لو لاحظت فيه إهمالا في صلاته أو صيامه أو أي واجب اجتماعي لكانت أول من يوجه له الانتقاد ويعارضه. كما أن الأستاذة أيت حمودة، ذكرت لنا أسبابا أخرى تؤثر في الفرد كجماعة الأقران والتي تلعب دورا كبيرا في حشو مخ المراهق بأفكار واعتقادات تؤمن بها. وأسامة الذي يبلغ من العمر 18 سنة واحدٌ من هؤلاء، أخبرنا أنه هو وأصدقاءه يكونون (شّلة) كما أسماها تتبع نفس الشكل والأسلوب وهو شكل مغنيي الراب الأمريكان، وأطلعنا على أنه لم يكن يريد اتباعهم في أول الأمر غير أنه مع مرور الوقت أصبح بشعر أنه غريب بينهم ما دفعه في الأخير أن يكون مثلهم. أما محمد، الطالب في كلية العلوم السياسية والإعلام، فبرأيه أن ما يصدره لنا الغرب والذي لقي استجابة في أوساط الشبان والمراهقين الجزائريين يعتبر طمسا لهوية الشخص الجزائري العربي المسلم، وأنه لدينا من الثقافة والحضارة ما يغنينا عن مثل هذه الأمور المستحدثة. وكذلك كان رأي الأستاذ عبد الرحمن السنوسي، أستاذ في كلية العلوم الإسلامية الذي بدأ كلامه بسؤال: هل رأيتم شخصا أوروبيا أو أمريكيا يلبس لباسنا أو يكتب عن تقاليدنا على أنها شيء يمكن أن يحتذى به؟ فلماذا نعطيهم فرصة الشعور بأنهم أحسن منا ومتفوقون علينا في كل شيء؟ بل ينبغي لشبابنا الذي ينتمي لأمة غنية بأعرافها وتعددها الثقافي أن يغلب عقله على عاطفته وأن يعصي هواه قدر المستطاع ويحاول أن يحيي فضيلة العقل في النفس حتى ينفع أسرته وأمته، كما يجب على الأهل التعامل مع أولادهم بالرفق واللين وترسيخ مبادئ وتعاليم ديننا وعادات مجتمعنا في أطفالهم منذ الصغر. وعن الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب لمثل هذه التصرفات فحصرها الأستاذ في الفراغ الروحي وانعدام القدوة الحقيقية التي يتبعها الشاب، إضافة إلى الاضطرابات داخل الأسرة والتي غالبا ما يعبر عنها الأولاد بطرق مختلفة منها اكتساب شكل ولغة وأسلوب وشخصية جديدة وغريبة، ليضيف في الأخير أنه من الواجب علينا أن ننظر في الأسباب الحقيقية التي ولدت هذه المشكلة ومن ثم علاجها بالعقل والحكمة.