بدأت مدارس القرآن الكريم تنتشر في العديد من المدن الصومالية بوصفها ظاهرة ثقافية وتربوية طرأت على الساحة التعليمية في البلاد، لتصبح نموذجًا تعليميًّا إلى جانب ما كان يُعرف سابقا ب(الخلاوي) القرآنية. ومدارس القرآن الكريم هي مدارس تتكون من المرحلة الابتدائية والإعدادية وتزاوج بين التعليم النظامي الأساسي، وبين تعليم القرآن الكريم وعلومه وفق إطار منهج تعليمي متكامل تشرف عليه وزارة التربية والتعليم الصومالية. ويعتبر الدكسي (الكُتّاب) المحضن التربوي والتعليمي الأول عند الصوماليين، حيث ترسل إليه الأسر الصومالية أولادها الصغار في المدن والأرياف لحفظ القرآن وتعلم أساليب القراءة والكتابة كمرحلة دراسية أولية قبل الانضمام إلى المدارس الرسمية.. لكن (الدكسي) يواجه الآن منافسة قوية من قبل دور القرآن المنتشرة في المدن الصومالية. وبحسب إحصائيات صادرة عن هيئة اليونسيف عام 2003، فإن عدد (الخلاوي) القرآنية المنتشرة في الصومال كان 13000 (خلوة) قرآنية. وفي عام 2002 ظهرت فكرة دور القرآن الكريم، وتهدف الفكرة إلى تعليم الأطفال القرآن الكريم مع توفير المنهج الدراسي في المرحلة الأساسية، ويبلغ عددُ المنتسبين إلى دور القرآن حسب الإحصائيات الرسمية 11200 يدرسون في 140 مدرسة منتشرة في أنحاء البلاد. ويقول عبد الله علي حبر مدير قسم التعليم الأساسي في وزارة التربية والتعليم الصومالية إن وزارته تشرف على سير عمل مدارس القرآن الكريم في البلاد، معتبرا تلك المدارس ضمن مؤسسات التعليم الأهلي في الصومال. وأشار حبر في حديث ل(الجزيرة نت) إلى أن وزارته تجتهد في توفير مناهج دراسية لمدارس القرآن الكريم وغيرها من المدارس الأهلية في الصومال، مع حرص وزارته على إعطاء دورات تدريبية بصورة خاصة لمديري دور القرآن، وهو جزء من إستراتيجية وزارته في دمج مدراس القرآن ضمن منظومة التعليم في الصومال. وتعد مدرسة دار القرآن لتحفيظ القرآن والتعليم الأساسي في بوصاصو التي يدرس فيها 1668 طالب أول مدرسة تطبق هذا النظام المعروف عند وزارة التربية والتعليم الصومالية ب(نظام التعليم التكاملي) الذي يمزج بين التعليم النظامي ودراسة القرآن الكريم في إطار منهج دارسي متكامل تشرف عليه الوزارة. ويقول معلم موليد متان أحمد أحد مبتكري فكرة دور القرآن في الصومال ومدير مدرسة دار القرآن لتحفيظ القرآن والتعليم الأساسي إن دور القرآن في الصومال لا تختلف عن بقية المدارس الابتدائية والإعدادية في البلاد سوى أنها تشترط أن يكون خريج مدارسها حافظًا للقرآن الكريم. كما يتلقى طلاب تلك المدارس علوم القرآن المختلفة كعلم التجويد وعلم القراءات وبقية الفنون المتعلقة بالقرآن في مواد إضافية يرى القائمون على أمر دور القرآن أنها تعطي مدارسهم طابعًا يميزهم عن بقية المدارس في البلاد. وأكد موليد أن مدارس القرآن الكريم هي مدارس مسجلة لدى وزارة التربية والتعليم على مستوى الصومال، مضيفًا أن طلابهم يمتحنون في الامتحان المركزي الذي تنظمه وزارة التربية والتعليم الولائية في بونتلاند مع غيرهم من طلاب بقية المدارس للانتقال إلى المرحلة الثانوية. وأشار إلى أن طلاب مدارس القرآن الكريم نجحوا في الامتحانات المركزية بصورة لم يكن يتوقعها الجميع، ويقول إن خطوة نجاح الطلبة في الامتحان المركزي دليل على نجاح الفكرة. لكنه أوضح أن نجاح فكرة دور القرآن مرهون على قدر كبير بمدى تجاوب المجتمع مع الفكرة، مع ثقتهم بأن المستقبل لمدارس القرآن الكريم في الصومال. ويبدي بعض خبراء التربية والتعليم في الصومال تخوفهم إزاء انتشار مدارس القرآن الكريم، ويخشون أن تكون تلك المدارس البديل ل(الخلاوي) القرآنية التي تُعتبر الموروث التاريخي للشعب الصومالي. ويقول أستاذ علوم القرآن بجامعة شرق أفريقيا ببوصاصو أبو بكر حسن الخليفة إن مدارس القرآن الكريم في الصومال لم تأت بالجديد في المجال التعليمي في الصومال، ويرى أنها تكرارٌ لفكرة الكتاتيب القرآنية المنتشرة في البلاد. وأشار الخليفة إلى أن النمط التعليمي المتبع عند دور القرآن في الصومال بحاجة إلى التطوير وإجراء تعديلات تطال المنهج الدراسي، مع ضمان استمرار عمل (الخلاوي) لتأدية دورها المنوط بها وهو تخريج كوادر صومالية حافظة لكتاب الله تعالى.