دأبت المدرسة القرآنية بمسجد الشيخ العربي التبسي الواقعة بحي حسين داي بالجزائر العاصمة على خدمة كتاب الله تعلما وتعليما والمساهمة في بعث الهمم والآداب الأخلاقية على منهج سيد الأخيار والمصطفين محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ترجع نشأتها إلى شهر رمضان من عام 1426 ه الموافق لأكتوبر من سنة 2005 ميلادية، ومن بين أهم المزايا التي تقدمها تعليم القرآن وإلقاء الدروس الفقهية واللغوية والدينية من قبل شباب متطوعين همهم الوحيد التربية والتوجيه الراشد للأطفال قصد تلبية حاجاتهم الروحية والخلقية وتنمية روح المبادرة والمشاركة لديهم حتى يحسوا أنهم جزء من هذا المجتمع. وبهدف تسليط الضوء على هذه المنظومة الدينية، اقتربت ''الأمة العربية'' من المدرسة القرآنية الشيخ العربي التبسي قبيل حفل تكريم الحفظة الذي سيكون ليلة عيد الفطر، لترصد لكم الأجواء الإيمانية التي تعج بها حلقات الذكر والارتماء في رياض القرآن الكريم.
أطفال دعتهم الفطرة إلى حب كتاب الله فساروا إلى جمعه في صدورهم ما إن تطأ قدماك لأول مرة عتبة المدرسة القرآنية العربي التبسي تلاحظ أن السكون يخيم على المكان وكأنه ينبئ بهجرانها، ولكن ما إن تَهٌم بالتجوال في أقسام المدرسة حتى ينشرح صدرك بأصوات بريئة شجية توحدت على تلاوة وتدارس النور المبين، من أجل بلوغ أرقى الدرجات مصداقا لقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:" من قرأ القرآن وتعلّمه وعمل به، ألبس يوم القيامة تاجاًً من نور، ضوؤه مثلٌ ضوء الشمس، ويٌكسى والداه حٌلَّتين لا تقوم لهما الدّنيا، فيقولان: بم كٌسِينَا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن". كانت جلستنا الأولى مع مجموعة من الفتيان والفتيات تتراوح أعمارهم من 4 إلى7سنوات، فضلوا قضاء عطلتهم الصيفية في رحاب المدرسة القرآنية 'العربي التبسي'، فاجتمعوا منذ بداية هذه السنة لتعلم وتفهم القرآن، فصهيب الذي سيلتحق بالمدرسة الإبتدائية بداية الموسم الدراسي وصل إلى حفظ حزبين انطلاقا من جزء عم، وهذا بتحفيز من الوالدين ومعلمتهم، وهو الحال الذي ينطبق على كل من هؤلاء التلامذة عبد الرحمان، يعقوب، وفاء، نور الهدى، سلسبيل، ولينة، فكل واحد منهم تجده فرحا يريد أن يسمعك ما يحفظ بتطبيق بعض أحكام التلاوة كالنون الساكنة والتفخيم والترقيق والقلقلة، وتجد لأكثرهم عزما على خوض مسابقة القرآن الكريم والظفر بالجائزة. أولياء يشيدون بالسمعة الطيبة للمدرسة القرآنية الشيخ العربي التبسي من جهتهم، أجمع أولياء بعض التلاميذ في أن المدرسة القرآنية ساعدتهم كثيرا في توجيه أبنائهم توجيها صحيحا، من خلال تعلم الكتابة والقراءة والحساب وحفظ ما تيسر من كتاب الله، وهو بالنسبة إليهم إنجاز كبير لتهيئة الطفل للدخول المدرسي وإكسابه فعل المشاركة في التحاور وتحبيبه للعلم منذ الصغر. قالت' أم نور الهدى مومد'، أنها تحرص على تعليم ابنتها المبادئ الأولية في التربية كالنظافة، آداب التحية واحترام الغير، مع تخصيص وقت للعب والاستراحة ومراجعة كل ما تعلمته في المدرسة القرآنية من رياضيات وسور وأحاديث. ولم تخف 'أم نور الهدى' إعجابها بالمدرسة القرآنية العربي التبسي والسمعة الطيبة التي تعرف عنها، لاسيما المربين الذين يسهرون على تعليم أبنائهم وتهذيبهم أخلاقيا. فيما يرى 'أب لينة رصاص' أن المدرسة القرآنية العربي التبسي تلعب دورا كبيرا في نمو الطفل على حب العلم وتأديبه وفق التربية الإسلامية الصحيحة. مضيفا أن قرب المدرسة من بيته وحب ابنته لحفظ القرآن جعلاه يفكر في إلحاق إبنته في سن الأربع سنوات ليتفاجئ بقدرة استيعابها في حفظ كتاب الله. وحسب 'أب لينة' فالمدرسة القرآنية أثمرت إيجابا على ابنته حيث تمكنت من إحراز المرتبة الأولى لدى دخولها المدرسة الابتدائية، مشيرا إلى أهمية مرافقة وملازمة الأولياء لأولادهم منذ الصغر حتى يتأكدوا من سلامة التربية التي يتلقونها ويحفزوهم على نيل العلوم بالقدوة والهدايا. طالبات يخلقن جو التنافس استعدادا للظفر بالمراتب الأولى في مسابقتي رمضان تركنا الأولياء رفقة أطفالهم يهمون بالرجوع إلى سكناهم، ليطيب لنا الحديث ونحن نتعرف على طالبات متخلقات يبلغن من العمر 11 سنة إلى 14 سنة، يتدارسن القرآن فيما بينهن كأنهن أرواح متآلفة، من بينهن الطالبة ريان فوضيل، صارة عرباوي، كوثر بن حليمة وأخريات التحقن بالمدرسة القرآنية بتشجيع من الوسط العائلي في فترات متباينة تمتد من شهر أفريل إلى غاية شهر جوان، أين كان همهن حفظ قسط وافر من القرآن خلال العطلة المدرسية على يد الأستاذة لمياء التي لقنتهم المبادئ الأولية في الحفظ السليم للقرآن وحسن الترتيل، فوصلت بعضهن لإدراك خمسة أحزاب وأخريات حفظن ثلاثة أحزاب في ظرف وجيز، وإيمانا منهن بأن قراءة القرآن تهدي إلى سبيل الرشاد فلقد وجدنهن يتنافسن فيما بينهن ويرددن ما تعلمنه فيما بينهن ليعرضن بعدها على الأستاذة التي تقوم بتصحيح الأخطاء لهن، وذلك قصد المشاركة في مسابقتي رمضان الخاصة بحفظ القرآن والأخرى المتعلقة بالفقه والسنة والأحاديث الموجهة لكل المستويات التربوية. وأكدت الطالبات اللواتي تحدثن ل'لأمة العربية' على أن الجوالأسري هوالذي هيأ لهن حفظ القرآن من خلال التنافس الموجود بين الأشقاء وتحفيزهن برحلة أومبلغ من المال إذا وصلن إلى حزب معين، إضافة إلى التشجيع الذي يحظون به في المسجد من الكلمة الطيبة وإقامة حفل على شرف ما بلغنه من حفظ أحزاب من الذكر الحكيم. مروان، محمد، أيوب ...وآخرون يجمعون على تحسن مستواهم الدراسي بحفظهم للقرآن
أجمع نخبة من الطلبة الذين تتراوح أعمارهم من 11 سنة إلى 15 سنة أن نتائجهم الدراسية قد تحسنت مع حفظهم لكتاب الله، وهذا بعد فترة دراسة عادلت ثلاثة سنوات بالمدرسة القرآنية. قال محمد أمين البالغ من العمر 11 سنة والذي يحفظ 13 حزبا أن المدرسة القرآنية والوالدين كان لهما الفضل في تنمية رغبته الجامحة لإتمام حفظ كتاب الله ما انعكس إيجابا على دراسته، وهوما ذهب إليه كل من محمد حميدي ذو11 سنة والحافظ ل11 حزبا وإبراهيم أيوب صاحب 15 سنة والمتمكن من حفظ 16 حزبا، والتلميذ مروان نيلي الذي شهد له شيخه بالخلق الحسن والذي تمكن من حفظ 12 حزبا، مجزمين بأن نتائجهم الدراسية كانت جيدة وفي تحسن مستمر بعد أن حفظوا ما تيسر لهم من القرآن، والأمر ذاته مع مروان يحياوي البالغ 12 ربيعا، والذي لاحظ تحسنا في مستواه التعليمي بعد أن أدرك حفظ أربعين حزبا. هؤلاء الطلبة وغيرهم ممن عقدوا العزم على إتمام حفظ كتاب الله، واهتدوا إلى أنوار الذكر، يأملون إحراز المراتب الأولى في مسابقة حفظ القرآن التي ستعلن نتائجها ليلة عيد الفطر إن شاء الله. معلمون يحذوهم الأمل في تحفيظ القرآن لأكبر قدر ممكن من الأطفال إن الحديث عن الحفظة لا يمكن أن يكون بمعزل عن ذكر دور المعلم والمربي الذي ينشأ هؤلاء الأطفال على حب تدارس الفرقان واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة والتأدب بآدابه والعمل بتعاليمه. نوهت المعلمة 'سلمى' التي اقتحمت التدريس في المدرسة القرآنية منذ أكتوبر من سنة 2005، أن طريقتها في تحفيظ تلاميذها الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و6 سنوات، تعتمد على مراجعة السور التي تعلموها بالمسجد في سن الرابعة، من خلال تعاهدها بالمذاكرة، ثم تقوم بتلاوة سورة جديدة لهم فتردد آياتها عدة مرات برواية حفص عن عاصم، فيعيد التلاميذ قراءتها جماعيا مرات متكررة حتى تترسخ في ذاكرتهم، ثم يلقي كل تلميذ ما استوعبه على حدى، وهكذا دواليك حتى تتمكن من الوصول إلى حزبين. كما تأمل 'سلمى' بمتابعة قسمها الذي يحتوي على 11 تلميذا إلى ما بعد دخولهم المدرسة بحكم وجود تلاميذ مجتهدين في حفظ القرآن وينبغي تحفيزهم ومتابعة الأولياء لهم حتى يكونوا بحول الله من بين حفظة كتاب الله. وتوافق المربية لمياء شارف التي تمارس مهنتها بالمسجد منذ عام 1998 ما ذهبت إليه 'سلمى' في إتباعها لنفس طريقة التحفيظ للأطفال التي تعتمد على العرض وإعادة الحفظ عن طريق التكرار، مضيفة أنها تلقن أحكام التلاوة كالتفخيم والترقيق، للطالبات البالغات من العمر10 سنوات إلى 14 سنة، واللواتي يقدرن ب 31 طالبة استطاعت كل واحدة منهن إدراك بعض الأحزاب للمشاركة في مسابقة رمضان للقرآن الكريم. من جانبه، أشار أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين والمؤطر بالمدرسة القرآنية ' رشيد بن حقوقة' إلى أن المدرسة القرآنية العربي التبسي تعمل على الجمع بين التكوين المسجدي والبرنامج التربوي في المدارس، إذ يتم متابعة معدلات الطلبة وتدعيمهم في المواد الضعيفة عند اقتراب فترة الامتحانات. هذا، وينظم الأستاذ 'سمير ش' الذي يدرس رفقة زميله 'محمد شايب' في حلقات الدروس التي يقدمها للطلاب الذين يبلغون سن 11 إلى 15 سنة فما فوق، شروحات للأربعبن النووية، تفسير كتاب المقدمة الأجرومية في مبادئ علم اللغة، تعليم أحكام التلاوة وتقديم دروس تدعيمية لمختلف المستويات الدراسية، مع تخصيص يوم الجمعة لتدارس السيرة العطرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وذلك قصد توضيح القيم التي يقوم عليها الإسلام والأصول الدينية الصحيحة التي تربي الطفل على ترقية جانبه الروحي وتعزز من قيم الصداقة ومبدأ المشاركة مع الغير. وعن مستوى الطلبة في حفظ القرآن الكريم، ذكر الأستاذ 'سمير' الذي يتابع 25 طالبا أن مستواهم متفاوت بحكم عدم متابعتهم لحلقات حفظ القرآن في نفس الفترة، إذ هناك من الأطفال من وصل إلى أربعين حزبا ومنهم من بلغ 16 و12 حزبا، متمنيا أن يتخرج على يديه اكبر قدر ممكن من حفظة كتاب الله. إمام مسجد العربي تبسي 'يوسف بن حليمة' يدعولتعميم التجربة على باقي المدارس القرآنية كشف إمام مسجد العربي التبسي 'يوسف بن حليمة' ل"الأمة العربية"' أن المدرسة القرآنية تستقبل سنويا ما يزيد عن 250 طفل في الطور التحضيري، أين يتعلم القراءة والكتابة ويحفظ على الأقل حزب من القرآن الكريم، إضافة إلى ذلك فهي تقوم بتأطير وتكوين التلاميذ المتمدرسين خارج أوقات الدراسة أيام الثلاثاء الجمعة والسبت، فتقوم بإعطاء دروس إسلامية وتحفيظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، مشيرا إلى أن عدد الطلبة في تزايد مستمر نظرا لنوعية الخدمات التي تقدمها المدرسة بحيث تبين حسب أصداء من المدارس المجاورة أن التلاميذ الذين زاولوا دراستهم التحضيرية بهذه المدرسة القرآنية هم دائما على رأس قائمة التلاميذ المتفوقين في المدارس الإبتدائية. وعن كيفية انتقاء المعلمين، قال الإمام والأستاذ الجامعي في كلية العلوم الهندسية بالحراش 'يوسف بن حليمة'،' أن الكفاءة والمتابعة الميدانية هما المعيار الوحيد، فعلى سبيل المثال لما تأتي المربية توضع تحت المراقبة وإن رأينا وجود تجاوب بينها وبين الطفل نقبلها وإن كان مستواها نهائي، أما إذا عجزت المعلمة عن أداء دورها أوظهرت فيها عيوب تدريسية تستبدل بغيرها حتى وان توفرت على دبلوم عالي'، مضيفا بأن المهم هوتوفر المربي على الكفاءة في التواصل مع الأطفال أكثر من حيازته على شهادات عالية، فتعليم الطفل وتربيته هوالمبتغى ومن ثم وجب اختيار أحسن الكفاءات من أجل تحسين المستوى وتخرج عدد من حفظة كتاب الله، حتى تبقى لهذه المدرسة المكانة والسمعة بين مختلف المدارس'. وأوضح 'يوسف' الذي يمارس الإمامة منذ 22 سنة بمسجد العربي التبسي، أن المدرسة تحتوي على طاقم إداري يفوق 12 عونا وأغلبهن من العنصر النسوي، حيث يبلغ عددهن ب 7 معلمات، باعتبارهن الأقرب من نفسية الأطفال وأثبتن جدارتهن في السيطرة على الأقسام المكتظة التي يصل عدد التلاميذ بها إلى أربعين تلميذا، إلى جانب ذلك تعتمد المدرسة على تبرعات المحسنين لتغطية رواتب المربيات لأنهن غير موظفات من قبل سلك الشؤون الدينية وإنما متطوعات، إذ يدفع أولياء الطفل المتمدرس طيلة السنة مبلغ رمزي في مطلع كل شهر، يتمثل في عشرة بالمائة مما يدفع في المدارس الخاصة، مؤكدا بأن كل الظروف مهيأة لأداء الرسالة التربوية من توفير للوسائل البيداغوجية والمراجع والدعائم السمعية البصرية. ومع تزايد طلبات الالتحاق بالمدرسة وقصد تخفيف العبء والضغط على الأقسام التي تتجاوز في كثير من الأحيان 25 تلميذا، ذكر الإمام 'يوسف' أنه سيتم توسيع المدرسة إلى ثمان أقسام، كما سيتم اشتراط في ملف التسجيل بطاقة الإقامة لبلدية حسين، مرجعا ذلك للطاقم المحدود وتوخي الحذر من الوقوع في نسبة كبيرة من التلاميذ دون ضمان الاستمرارية في إتقان العمل. وفي ذات السياق، أبرز الأستاذ' بن حليمة' فيما يخص برنامج المدرسة خلال شهر رمضان المبارك، أنه ثمة مسابقتين إحداهما خاصة بحفظ القرآن التي فتحتها المدرسة لكل الشرائح العمرية من داخل المدرسة أوخارجها، إضافة إلى مسابقة أخرى وجهت إلى التلاميذ المتمدرسين في مختلف الأطوار التربوية من ابتدائي، متوسط وثانوي، هاتان المسابقتان سيتوج الفائزون فيهما خلال ليلة عيد الفطر حسب ما أكده ذات المتحدث بجوائز معتبرة قد تصل إلى جهاز كمبيوتر محمول بالنسبة للذين يحفظون قدر معتبر من القرآن وجوائز تشجيعية ربما تصل إلى بعض ألاف الدينارات للتشجيع على نهل العلم. دعا الإمام 'بن حليمة' في ختام حديثه، إلى ضرورة تعميم تجربة المدرسة القرآنية العربي التبسي على باقي المدارس القرآنية، ملتمسا من الأولياء متابعة أبنائهم ليواصلوا تعلمهم وتفقههم للقرآن بالمدرسة القرآنية حتى يبلغوا أشدهم بحيث لا يقتصر الأمر على الطور التحضيري دون باقي المستويات التعليمية. في الأخير نتمنى أن تنجب مدرسة العربي التبسي أعلاما أمثال المصلح الرباني الفقيه أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين، الشيخ الشهيد العربي بن بلقاسم التبسي الذي اغتاله الفرنسيون في عام 1957، وأن تؤسس مدارس قرآنية كثيرة على نمط هاته المؤسسة التي تسعى لتكوين جيل زاهر قوامه المبادئ السمحة المنبثقة من المنبع السليم، ووأد دعاة الأفكار المفسدة التي تبعد أبنائنا عن قيمهم وأخلاقهم، ليبقى الإهتمام بالطفل وتهيئته للمستقبل بعيدا عن الأنماط السلوكية القمعية والعنفية مهمة الجميع من الأهل، المدرسة والمحيط.