رغم كل (التسهيلات) المقدمة للناخبين، ورغم تمديد فترة التصويت في غالبية الولايات، على أمل (استقطاب) مزيد من الناخبين لرفع نسبة المشاركة التي كانت تعد رهانا حقيقيا في محليات 29 نوفمبر، إلا أنها لم تتعد ال44 بالمائة، وهي أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات المحلية بالجزائر منذ الاستقلال. عندما فتحت مكاتب الانتخاب أبوابها صبيحة الخميس بمناسبة إجراء الانتخابات المحلية، لاختيار أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية، لم يكن السؤال الكبير هو من سيفوز بغالبية أصوات الناخبين الجزائريين، أو هل سيختفي شبح التزوير تماما هذه المرة، وإنما هل سينتخب الجزائريون أصلا، ذلك أن هاجس نسبة المشاركة يحجب، إلى حد بعيد، حسابات الأحزاب ومخاوف التزوير. وحين يُطرح سؤال من نوع (هل ينتخب الجزائريون؟) فإن المقصود هو التعبير عن درجة الخوف التي باتت تسيطر على الساحة السياسية برمتها نتيجة إدراك مدى العزوف الشعبي الكبير عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، في ظل الهوة الشاسعة الموجودة بين الأحزاب وعامة المواطنين، ما جعل التشاؤم مسيطرا بخصوص نسبة المشاركة في استحقاق الخميس. وليس خافيا على أحد أن الأحزاب السياسية، على كثرتها، قد سجلت إخفاقا حقيقيا حين فشلت في إقناع غالبية الناخبين بجدوى انتخابات ال29 نوفمبر المحلية، وهو ما كان ينذر بنسبة مشاركة متدنية، توقع وزير الداخلية دحو ولد قابلية أن لا تتعدى ال45 بالمائة، بينما توقع متتبعون أن لا تصل ال40 بالمائة، وفي كل الأحوال بدا واضحا أن المواطن قد فقد ثقته تماما في السياسة، نتيجة سوء التسيير المحلي الذي أنتج مجالس محلية (تتفنن) و(تبدع) في تعذيب المواطنين، وفي النهاية (صدقت) توقعات وزير الداخلية حيث تطابقت مع نسبة المشاركة المعلن عنها، والتي تراوحت بين ال40 وال45 بالمائة بالنسبة لانتخاب المجالس الشعبية البليدة والولائية، وهي نسبة، رغم كونها قد تبدو كبيرة للبعض، فإنها تؤكد، مجددا، أن غالبية الجزائريين قد طلقوا السياسة بالثلاث، وباتت الانتخابات خارج دائرة اهتماماتهم. وإذا كان يبدو غريبا كيف أن انتخابات محلية يترشح لها قرابة ربع مليون مواطن جزائري لا تشهد تفاعلا شعبيا كبيرا، فإن استقالة المواطن، بشكل عام، من الساحة السياسية لم تأت في الواقع من فراغ، ولها ما يبررها دون أدنى شك، ولعل أبرز أسبابها عجز الطبقة السياسية، وعلى رأسها قادة الأحزاب، عن التواصل بالشكل المطلوب مع المواطن الذي تحول من شريك في العملية السياسية إلى ضحية لممارسات غير حضارية ولا أخلاقية، في مقدمتها الوعود الزائفة والأكاذيب المنمقة التي يتبارى ساسة (آخر زمن) في إطلاقها. وطبعا لا يمكن (تبرئة) المواطن من تهمة المشاركة في هذا الوضع السياسي المقرف، بسبب إصراره على الاكتفاء بموقع الناقد الغاضب، ورفضه المشاركة في أي فعل جمعوي أو سياسي من شأنه أن يسمح له بالمشاركة في التغيير الإيجابي، رغم الانفتاح الكبير الذي تشهده البلاد، وتيسير سبل تأسيس التشكيلات السياسية والفعاليات الجمعوية.