إن الإنسان كلما ازدادت معرفته وعلمه بالله، ازدادت خشيته وتحسن تعامله مع ربِّه.. قال تعالى {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..} [فاطر: 28] الله سبحانه وتعالى في السماء العليا لا يعلم حقيقة ذاته إلا هو، ويكفي لتدرك مدى عظمته أن تعلم أنه لا أحدٌ يستطيع أن يراه في الحياة الدنيا، وإلا لو نظر إليه أحدٌ لانهار تمامًا.. وفي الآخرة لا يوجد لذة أعظم من لذة رؤية الله جلَّ جلاله في الجنة.. فإن الله تعالى يعلم كم إن أحبابه قد اشتاقوا لرؤيته، ولذلك فإنه سبحانه يقوي أجسادهم ويعطيها القدرة على رؤيته جلَّ جلاله في الآخرة.. فمن هو الله؟ الله سبحانه هو إله جميع المخلوقات وليس لهم إلهٌ غيره، هو سبحانه المُتكفِّل بأمورهم وحده.. يُدبِّر شؤون مملكته الواسعة التي تشمل السموات والأرض.. فهو وحده الخالق، الرازق، المُدبِّر، المالك.. وقد أخبرنا بصفاته جلَّ وعلا، ولكن توجد صفات أخرى لا نعلمها قد استأثر الله تعالى بها في علم الغيب عنده.. لأن العقل البشري قدرته على الإدراك محدودة، وهناك أشياء أكبر من مقدرته على استيعابها وتخيلُها.. وأولها: الخالق جلَّ وعلا. فلا يمكن لبشرٍ أن يتصوَّر الله جلَّ جلاله قبل أن يراه يوم القيامة.. لأنه سبحانه {.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فهو سبحانه لديه من العظمة والجلال والجبروت، ما لا يمكن تصوره أو تخيله.. ولم يثن أحدٌ قط عليه الثناء المكافيء لعظمته جلَّ جلاله.. وكل من يحاول الثناء عليه من خلقه وملائكته، فإنما يقتربون فقط من الثناء الذي يستحقه جلَّ وعلا. ولو جمعنا عبادة الخلق جميعًا من الملائكة والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وسائر الخلق أجمعين من بدء الخلق إلى يوم القيامة، ثمَّ ضاعفناها أضعافًا مضاعفة وقدمناها لله عزَّ وجلَّ لما كافأت ولا قاربت صفةً واحدةً من صفات الله تعالى. قال تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]. فالفضل له سبحانه إذا تقبَّل عباداتنا على ما فيها من نقص وسرحان في الصلاة وبعض الرياء أحيانًا.. وقد سبقنا هذه العبادة بذنوب وألحقناها بذنوبٍ أخرى! ومع هذا فهو سبحانه يتفضَّل ويقبل هذه العبادة، إذا كانت خالصةً لوجهه الكريم.. مع إن عباداتنا لا تنفعه بشيء، بل نحن الذين نحتاج أن نرتاح بأدائنا للعبادة والاستمتاع بها، ونحتاج لأن نفوز بالجنة، حتى ننال السعادة الأبدية. هو الغني سبحانه، ونحن الفقراء إليه.. ومع هذا فإنه سبحانه يُغنينا ويسقينا ويكرمنا ويهدينا، وإذا احتجنا فإنه يُعطينا.. بل إنه سبحانه وتعالى يحب أن نطلب منه، وكلما طلبنا منه أكثر أحبنا أكثر.. لأن محبته للكرم والجود فوق ما تتصوره العقول، وهذا من جمال أفعاله سبحانه وتعالى. الله سبحانه وتعالى أجمل ما في الكون.. ولهذا سمى الله نفسه الجميل، كما أخبرنا بذلك النبي (إن الله جميل يحب الجمال) [صحيح الجامع (1742)]. ويكفي للدلالة على جماله سبحانه، أن كل جمالٍ في هذا الكون ومخلوقاته إنما هو من أثر جمال خالق هذا الكون. ولهذا كانت أعظم نِعَم أهل الجنة أن يكشف لهم ربهم جلَّ وعلا عن جماله.. وكل من سيُكتب له رؤيته، سيفرح ويسعد سعادةً لم تمر به في حياته أبدًا.. لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق السعادة وإليه منتهاها، ولذلك سُيعطيها لمن جاء إليه وتقرَّب بين يديه، ولن يُعطيها لمن ابتعد عنه.. وكلما اقتربت من الله تعالى أكثر، زادت هذه السعادة أكثر.. ولهذا كانت الجنة قريبة منه في السماء السابعة، لأنها مُستقر السعادة. وكلما ارتفعت في الجنة أكثر، اقتربت من الذات الإلهية أكثر.. حتى تصل إلى الفردوس الأعلى من الجنة، وهي أسعد مكان في الجنة مع الأنبياء والرسل والشهداء والصديقين.. وسقفها عرش الرحمن. ومع كل هذه العظمة والجلال والجمال، فإن أكثر من يُعصى ويُخالف ويُعرض عنه هو الله جلَّ جلاله. ورغم ذلك فهو سبحانه حليمٌ وصبورٌ على عباده.. بل لو تاب أي عاصٍ ورجع إلى الله سبحانه، فإنه يفرح به فرحًا شديدًا ويكرمه غاية الإكرام. فليس العجب من عبدٍ مملوكٍ يتقرَّب إلى مولاه ويتودد إليه ويبتغي رضاه، بل العجب كل العجب إذا كان السيد هو الذي يتودد إلى عبده ويتحبب إليه بأنواعٍ من العطايا والهدايا.. ومع ذلك العبد يُعْرِض ويصرُّ على الابتعاد وعدم التوبة!! مع أن العبد لو رفع يديه إلى الله تعالى، لاستحى أن يردهما خائبتين.. هذا هو إلهنا سبحانه، الذي لا نريد إلهًا غيره.. هذا هو ربُّنا، الذي نُعلق آمالنا على رحمته ومغفرته يوم القيامة.. فإذا كان إلهنا بكل هذا الجلال والجمال، فكيف نتعامل مع كل هذه العظمة؟