يظل المسجد بغرداية في رمضان قبلة لمئات الصائمين والقائمين لأداء الصلوات الخمس المفروضة وصلوات التراويح. وعلى صعيد آخر، تتحول البيوت في الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان إلى ورشات عمل حقيقية لكل الأعمال والمهارات اليدوية بدءاً بغسل الأفرشة والستائر وتنظيف الجدران، وتشغل النساء معظم أوقاتهن لترتيب أمورهن المنزلية وتغيير أواني المطبخ وتجديدها وتحضير حبوب الفريك وتوابل خاصة لموائد رمضان. ومع اقتراب شهر الصيام في ليلة الشك تحديدا، يصعد الأطفال مع حلول المغرب إلى سطوح المنازل يترقبون الهلال. وقد جرت العادة عند سكان غرداية الإعلان عن بداية رمضان باعتماد الرؤية البصرية، ويتم لذلك تشكيل مجموعات من الأعيان ذوي الخبرة إلى جانب المواطنين الذين يبلغون بمعلومات عن ظهور الهلال. وكان الناس يتجمعون في قمم جبال غرداية مع كبار القوم لمراقبة هلال رمضان، فإذا تمت الرؤية أشاعها أعيان القرى وشيوخ العلم في باقي المدن، فتطلق في تلك الأثناء مدفعية رمضان عدداً من الطلقات من المسجد العتيق الذي يعلو مدينة غرداية إعلانا بظهور هلال رمضان وابتهاجا به. ويردد الأطفال في منازلهم وعبر الشوارع أهازيج محلية "ظهر الهلال، غدا رمضان". ولكن مع دخول التلفزيون في كل بيت وغزو مظاهر العولمة إلى كل تفاصيل حياة المجتمع المحلي، اضمحلت هذه التقاليد أو تكاد، حيث أصبح الناس بغرداية يعتمدون على ما تعلن عنه لجنة الأهلة لوزارة الشؤون الدينية سواء شاهدوا الهلال أو لم يشاهدوه، فزالت بذلك مظاهر البهجة والفرحة لدى الأطفال في استقبال الشهر المبارك. أما مائدة الإفطار الرمضانية عند أهالي غرداية لا تختلف كثيرا عن باقي الموائد الجزائرية التي تزخر بشتى الأطياف التي تحضر في هذا الشهر الكريم دون غيره من شهور السنة، ففيه ما تشتهي النفوس ما لا تشتهيه خارج أيامه. وتتميز المائدة المحلية بحضور التمور بشتى أنواعها، والتي يبدأ بها الصائمون إفطارهم مع أكواب من الحليب أو الماء البارد لإزالة آثار العطش طيلة يوم كامل من الصوم. وتكون الوجبة بعد أداء صلاة المغرب شوربة الفريك، وتليها وجبة حلوة في اليوم الأول من رمضان مثل طاجين البرقوق، ويتخذ السكان حلاوته فأل خير ليكون شهر رمضان كله حلوا مليئا بالخيرات والبركات. ويكون خبز الدار كما يسمى هناك، العنصر الأساسي في المائدة مع كل الوجبات طيلة شهر كامل. وبعد عودة الرجال من المساجد بعد أداء صلاة التراويح، يجتمع الأهل حول الشاي الذي يتم تحضيره بطرق تقليدية وفق مهارات لا يتقنها إلا من اكتسب الخبرة في إعداد هذا المشروب الذي لا يستغني عنه الصائمون في مناطق الصحراء عموما، مع تناول بعض الحلويات والفول السوداني الكاوكاو وبعض المكسرات الأخرى. أما وجبة السحور، فلا زال الكثير من العائلات مرتبطا بتقاليد الأجداد بتناول الكسكسي المسفوف، فيما يفضل البعض الآخر قهوة وحليبا مثل فطور الصباح في سائر الأيام لخفتها على الجهاز الهضمي.