العديد من الفتيات اللواتي تجاوزهن قطار الزواج يُعانين من شبح العنوسة، والذي يجعلهن يدخلن في حالات نفسية مضطربة، وما يزدهن إحباطا ويأسا هو التهميش الذي يعانين منه في مُحيطهن حتى من أقرب الأقرباء، الذي يجعلهنّ يتسرعنّ في اختيار أزواجهن المستقبليين، وهو الأمر، أو السبب الرئيسي الذي من أجله تُطلق آلاف الفتيات سنويا. أجل، من بين أسباب الطلاق التي ارتفعت مستوياتها التسرع في الزواج وفي اختيار الزوج المستقبلي، حيث يقبلن بأيّ خاطب يطرق الباب لايهم مستواه أو أصله وفصله المهم هو التخلص من معاناة العنوسة، ورغم أن الكثيرات منهن تتوقعن ما يمكن أن تلاقينه من مصاعب ومشاكل، بل وربما تطلقن بعد سنوات وأشهر، إلا أنهن يحملن شعار أن كل شيء أرحم من العنوسة، وأن لقب المطلقة أحسن من لقب العانس على الآذان، منهن من ندمت على ذلك الاختيار، وأخريات، ورغم أنهن تعرضن إلى العنف الجسدي والمعنوي ثمّ الطلاق، إلا أنهن أكدن بأن الدافع الأساسي هو نظرة المجتمع التي كنّ يلاقينها كونهن عانسات. ومنهن كريمة، 39 سنة، والتي ارتبطت برجل منذ ثمانية أشهر، ولكنها وبعد 4 أشهر من زواجها عادت إلى بيت أهلها مطلقة، وتقول لنا إن الضغط الذي كانت تعيشه ومعايرتها من طرف إحدى الجارات ب(البايرة) العانس دفعتها إلى أن تقبل برجل يكبرها بعشرين سنة، فهي كانت امرأة عانسا، وكانت تتعذب بشكل يومي، تقول لنا عن تلك المرحلة: (لقد كانت مرحلة انتقالية صعبة في حياتي، في بادئ الأمر كان الجميع ينظر إلي على أنني امرأة لا يرغب فيها الرجال وفاتها قطار الزواج، فصرت أقبل كل عريس يطرق بيتي لأفرّ من ذلك الجحيم وحالة اليأس التي لازمتني، ولكن في كل مرة كان يحدث شيء ما يعطل الزواج، فتقدم ذلك الشيخ لخطبتي ووافقت دون تردد رغم كبره في السن، وله زوجة أولى وثانية وأطفال، ولكني ندمت على ذلك الزواج، فأنا لم أكن بالنسبة إليه إلا نزوة عابرة تركني بعد أشهر معدودات من زواجنا، وهو الأمر الذي لم أفكر فيه، ولو علمت أن الحال ستؤول إلى الطلاق لما تزوجت أصلا ولبقيت في بيت أهلي لكان أحسن لي). ولكن الطلاق أرحم بكثير من أن تبقى الفتاة عانسا، وفي السياق ذاته قالت لنا فريدة، وهي التي مرت بنفس التجربة تقريبا ولا تقل قساوة عن كريمة حيث أنها وهي ذات الأربعة والثلاثين من العمر، ارتبطت برجل لا يملك شيئا، لا مال ولا بيت ولا حتى عمل، واستمالها بكلامه المعسول المفعم بعبارات الحب الزائف، فوافقت على الزواج به، وهي التي كانت تنتظر الفرصة لكي تتزوج وتتخلص من المأساة التي كانت تعانيها بشكل دائم، تقول: (رغم أن زواجي لم يعمر مدة سنة، إلا أن المجتمع وللأسف ينظر إلى المرأة المطلقة أحسن مما ينظر إلى تلك المرأة العانس، وهو الأمر الذي فكرت فيه مليا ودرسته من كل الجوانب قبل القدوم على الزواج والموافقة، خاصة تقول وأنني فقدت الأمل في زواج محترم وإنسان له شخصية وكيان، وفكرت في أنني قد أنفصل بعد ذلك، لكن هذا لا يهم، فصحيح أنني عدت إلى بيت أهلي، ولكن بصفة أخرى، صورة المرأة التي مارس عليها الزوج كل أنواع الذل والهوان والحقرة بكل أساليبها وليس التي عزف الناس عن الظفر بها، لكن على الأقل تتغير نظرة المجتمع بعد زواج هذه الفتاة التي لازمتها كلمة عانس ودمرت معنوياتها وحطمت كيانها.