لا يختلف اثنان أن ظاهرة العنف المدرسي قد برزت إلى الوجود في السنوات الأخيرة، وبدأ نطاقها يتوسع بصورة تدريجية في الوسط المدرسي خاصة في التعليم الثانوي، ثم تدحرجت إلى الأطوار السفلى ولذلك يجب أن لا يهمل المجتمع هذه الظاهرة الدخيلة والتي كنا نسمعها فقط الفضائيات وأجهزة الإعلام الغربي وقد نقرأها في مختلف الجرائد واليوميات والتي تحدث هنا وهناك في شتى بلدان العالم وخاصة الغربية منها، بالفعل هناك بعض الإحصائيات التي تشير إلى وجود محاولات الاعتداء على الأساتذة والمعلمين وحتى بين التلاميذ أنفسهم، لكن يبقى أن الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة السلبية، تأتي أساسا من خارج المؤسسات التربوية وأبطالها التلاميذ الذين شملهم التسرب المدرسي، ونسبة قليلة منهم من الذين لا يتلقون التربية السليمة في أسرهم وفي محيطهم، والمتتبع لمجريات هذه الظاهرة سيكتشف أن هناك عدة أسباب ساهمت في ترويج العنف المدرسي بدءا من ما تنتجه القنوات الفضائية خلال نشرها لثقافة العنف ومحاولة ترسيخها في ذهن العقل العربي والإسلامي، وبغض النظر عن الأهداف التي تكمن وراءها، هناك أيضا المحيط الخارجي الذي يحوم بالطفل خارج المؤسسات التربوية، وبعيد عن أنظار الأولياء والمراقبة العائلية، فالانحراف وظهور جمعيات أشرار وعصابات التي تحاول زج الأبرياء في معترك الرذيلة ونشر السموم في المجتمع، أدى وبدون مبالغة في تسريب ثقافة العنف ومحاولة غرسها في سلوكيات الأطفال والشباب والغرض هو تدمير الطاقات الشبانية ومحاولة الاستفادة منها لأغراض دنيئة جدا ، وبغية كبح جماح الذين يسعون وراء هذه الغاية، يجب إشراك جمعيات أولياء التلاميذ ومحاولة تفعيلها بشكل ملموس، حتى تقف إلى جانب إدارة المؤسسات التربوية ، في حل هذا المشكل ومحاولة إزالة هذا الداء الذي يحاول أصحابه زعزعة استقرار المدرسة في مختلف مراحلها وكذا لتحميل الأولياء مسؤولية أبنائهم بصورة قانونية، لتفادي الانزلاقات السلوكية المستقبلية والتي تكون نتائجها وخيمة ليس فقط على المدرسة بل على المجتمع برمته، وفي هذا المضمار يرى المتتبعون لهذه الظاهرة السلبية من أخصائيين وسوسيولوجيون، أنه حان الوقت لدق ناقوس الخطر والشروع في معالجة كل جوانب هذه الآفة، وبالتحديد التركيز على تربية الطفل وتهذيبه وفق مقومات المجتمع المثالي المنشود، والذي يحمل فكرة نبذ العنف وتفضيل السلم والحوار، والمؤسسات التربوية بما تملكه من إمكانيات كبيرة وعديدة، قادرة على دفع هذه القاطرة إلى الأمام بشكل يستوفي الأهداف المنشودة لبناء أجيال مسالمة ترفع شعار اللاعنف، وتنبذ الانحراف من سلوكها اليومي، إن الاهتمام بالتلميذ كهدف تربوي مستقبلي، سيجنب المدرسة والمجتمع كل أشكال العنف اللفظي والبدني وما يجر معه من المنبوذات الاجتماعية أن مرحلة التسعينات وبداية الثمانينات والمرحلة التي مرت بها الجزائر ، كانت محطة هامة في نشأة الجيل الحالي وما يحمله من عنف وتجاوز للقيم التربوية الاجتماعية، فهذا يتطلب معالجة خاصة لوضع حد نهائي أو على الأقل وضع ضوابط صارمة لأي محاولة كيفما كان نوعها من هذا القبيل، ولعل الرسالة التربوية التي تؤديها المدرسة لهي السبيل الوحيد للخروج من هذه المعضلة التي تهدد استقرار المجتمع، ويعتبر المختصون أن العنف المدرسي بإمكانه أن يتطور ويأخذ منحى خطير في المستقبل ، نظرا لارتباطه الوثيق بالشريحة الأكثر حساسية والأسهل تأثيرا بهذه الظاهرة، لذا تبقى الوقاية من خير ألف علاج، و مسؤولية الآباء والأولياء بالأهمية بمكان لردع كل ما يخالف التربية الاجتماعية، التي يحتاجها المجتمع لبناء ذاته وإنشاء كيانه.