بوجمعة يستقبل بوزيد    منصوري تسلم رسالة إلى رئيس جنوب السودان    الجزائر ملتزمة تماما بدعم التعاون الطاقوي بالقارة الأفريقية    شبكة ألمانية: المحاولات الرامية لإسكات صوت التضامن مع حق الشعب الصحراوي في الحرية و الاستقلال لن تنجح    القبة في ثمن النهائي    نحو استمرار تساقط الثلوج    إيداع 12 متهماً رهن الحبس وآخر للرقابة القضائية    الجزائر-السعودية: التوقيع على اتفاقية الرعاية الصحية لفائدة الحجاج الجزائريين    تكالب اليمين المتطرّف على الجزائر غير محسوب العواقب    التخلي عن النزعة الاستعمارية الجديدة أساس للعلاقات مع الجزائر    إحباط محاولة إدخال 6 قناطير من الكيف عبر الحدود مع المغرب    تنصيب المدير العام للبحرية التجارية والموانئ    الجزائر فرنسا.. عن أي مساعدة للتنمية نتحدث؟    الجزائر وبكين شريكان طبيعيان وتجمعها صداقة عريقة    الجزائر-الكونغو الديمقراطية: ضرورة إعادة تنشيط اللجنة العليا للتعاون بين البلدين    حزب جبهة التحرير الوطني: المشاورات السياسية التي أطلقها رئيس الجمهورية "خطوة هامة" قبل مباشرة الحوار الوطني    طاقات متجددة: السيد ياسع يستقبل رئيس مؤسسة أميدول الفائزة بالجائزة الدولية للسكن    العدوان الصهيوني على غزة : اتفاق على وقف اطلاق النار    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    بوزوق يلتحق بكتيبة اللاعبين الجزائريين في السعودية    عناية رئيس الجمهورية بالمواهب الشابة محفِّز لصنع الأبطال    شهر رمضان: برمجة استيراد نحو 28 ألف طن من اللحوم البيضاء والحمراء    الحلّ لتسوية قضية الصحراء الغربية يستند إلى مبدأ تقرير المصير    فرنسا : برلمانية من حزب "فرنسا الأبية" تدين استفزازات وزير الداخلية ضد الجزائر    وهران تعد عدتها لاستقبال شهر رمضان    مدرب الاتحاد السعودي يدافع عن حسام عوار    اسرائيل تواصل حرب الإبادة في غزة.. استشهاد 62 فلسطينيا في 6 مجازر خلال ال24 ساعة    تراثنا البحري يحتاج لبحث أكثر    ضبط 1525 مؤثر عقلي بالمحمدية    46 مداهمة لأوكار الجريمة    توقيف 37 متهما في عدة قضايا    تيسمسيلت.. فتح أزيد من 2700 منصب تكويني لدورة فبراير المقبل    دراسة نشرتها الجريدة الإلكترونية "كونتروبوان" : فرنسا تتخبط في وضع اقتصادي ومالي "خطير للغاية"    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    عنابة: أكثر من 100 عارض في افتتاح الطبعة الرابعة من الصالون الدولي للبناء والتهيئة "باتيماكس"    بدعوة من الجزائر : مشاورات في مجلس الأمن الدولي الجمعة لبحث الاستهداف الصهيوني "للأونروا"    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    هؤلاء أعلى اللاعبين قيمة انتقالية في العالم    الاتحادية الجزائرية للتنس: انتخاب أسامة اسماعيل مصمودي رئيسا جديدا    إشادة نقابية وجمعوية بالقرارات الرئاسية    تتويج الفيلم الجزائري "فرانز فانون" بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بمصر    الجزائر في المرتبة الأولى إفريقياً    تقلبات جوية: تواصل عمليات فتح ما تبقى من الطرق المقطوعة بسبب تراكم الثلوج    هذه تفاصيل تمديد عطلة الأمومة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    جيدو : تأجيل البطولة الوطنية ل"الكاتا" الاستعراضية الى تاريخ 15 مارس (الاتحادية الجزائرية)    كرة القدم/مونديال 2025: فتيات المنتخب الوطني يستأنفن التدريبات    بلمهدي يزور بالبقاع المقدسة المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء الذين أكرمهم رئيس الجمهورية برحلة لأداء مناسك العمرة    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    بوغالي يثمّن دور التنوع الثقافي في تعزيز الهوية    وزير الثقافة يُعاينُ ترميم القصور التاريخية    تتويج الفائزين بجائزة الرئيس للأدب الأمازيغي    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة السلمية الفلسطينية تنتظر التطبيق
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 01 - 2013


بقلم: نقولا ناصر
في الحادي عشر من هذا الشهر أقام مناضلون فلسطينيون من أنصار المقاومة السلمية خيام قرية (باب الشمس) فوق هضبة شرقي القدس المحتلة تمثل الممر الوحيد المتبقي للوصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وبين جنوبها، وفي ليل الخميس الماضي هدمتها جرافات الاحتلال بقرار من المحكمة العليا لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويذكر العمر القصير للقرية ومصيرها بمصير حوالي خمسمائة مدينة وبلدة وقرية فلسطينية لم تعد موجودة على الخريطة لأنها كانت ضحية المقاومة السلمية للغزوة الصهيونية العسكرية قبل أربعة وستين عاما، ما يعيد الجدل ساخنا حول جدوى المقاومة السلمية، ويثير السؤال الوطني القديم المتجدد حول ما إذا كان هذا الشكل من أشكال المقاومة هو الخيار الوحيد أم مجرد واحد من أشكال مقاومة الاحتلال.
والجواب على هذا السؤال موجود في رواية الأديب اللبناني إلياس خوري المولود عام النكبة الفلسطينية في العاصمة اللبنانية بيروت، وهي الرواية التي أخرجت فيلما سينمائيا وأخذت قرية (باب الشمس) منها اسمها، وهو في الرواية اسم مغارة في الجليل كان يتسلل إليها بطل فلسطيني مقاوم من لبنان ليلتقي فيها زوجته التي أصرت على البقاء في قريتها لتنجب منه أطفالا يعيشون في وطنهم ليعود هو إلى الالتحاق بالمقاومة في لبنان.
في تقرير استراتيجي رقمه (43) لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في مارس الماضي، أعد نصه الأساسي مؤمن بسيسو، قال المركز إن الرئيس محمود عباس (الأكثر تبنيا وتنظيرا) لفكرة المقاومة السلمية إنما ينطلق من عدة (اعتبارات) منها (التغطية على فشل المشروع التفاوضي عبر الإيحاء بفتح الخيارات الوطنية الكفاحية التي يتم تقزيمها واختزالها في المقاومة الشعبية السلمية المجردة)، ليخلص التقرير إلى أن هذه المقاومة كخيار وحيد أم كواحد من خيارات متعددة لا تزال (نظرية دون تطبيق)، وليخلص التقرير في (توصياته) إلى (التنبيه إلى أن المقاومة الشعبية لا تلغي المقاومة المسلحة ولا تحل مكانها وأن المقاومة المسلحة تبقى الخيار الأصيل.. وأن للشعب الفلسطيني الحق الشرعي والقانوني الكامل في المقاومة المسلحة طالما بقي الاحتلال).
في مقال له احتفاء (بالمناضل بسام الشكعة .. أبو نضال مقاوم من جبل النار)، وصف علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب والأمين العام للأدباء والكتاب العرب لدورات متعددة قرية باب الشمس ب(الأنموذج النضالي الجديد) لكنها (لم تكن .. أول الإبداع الفلسطيني السلمي المقاوم)، إذ (منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين كانت المقاومة الشعبية السلمية)، وتوقف عند الإضراب الشعبي الذي استمر ستة أشهر عام 1936، والانتخابات البلدية في الضفة الغربية عام 1976 التي قمعها الإرهاب الصهيوني بتفجيرات كان من نتائجها بتر ساقي رئيس بلدية نابلس المنتخب بسام الشكعة، والانتفاضة الفلسطينية الأولى في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين الماضي كثلاثة معالم رئيسية للمقاومة (السلمية) في التاريخ الوطني الفلسطيني.
لكن غاب عن الأديب العربي من حوران السورية أن يستنتج بأن نتائج المقاومة السلمية الطويلة لعرب فلسطين، التي يمكن إضافة الكثير الكثير من محطاتها وأعلامها ورموزها إلى معالمه الثلاثة، كانت نتائج عكسية حتى الآن وقادت إلى الوضع الراهن الذي يتهدد الهوية العربية الإسلامية لبيت المقدس وأكنافه في فلسطين بل ويتهدد الوجود الديموغرافي العربي ذاته فيها.
وغابت عنه حقيقة أن المقاومة السلمية لم تمنع الاستيطان اليهودي من تهويد غربي القدس من دون قتال ليجند مستوطنوها منهم حوالي عشرة آلاف مقاتل مثلوا حوالي ربع مجموع المسلحين العرب من الدول العربية وفلسطين الذين قاتلوا مائة ألف مقاتل في العصابات الصهيونية كانوا أكثر من ضعفيهم عددا وأفضل منهم تسليحا وتنظيما ووحدة قيادة في حرب النكبة عام 1948، مثلما لم تمنع المقاومة السلمية الفلسطينية تغول الاستيطان على الأرض والإنسان في الضفة الغربية بعد احتلال عام 1967 ليزيد عدد المستوطنين في مستعمراتهم فيها اليوم على نصف مليون مستوطن يمكنهم بكل سهولة تجنيد مائة ألف مقاتل معظمهم جنود محترفون أو احتياط في جيش الاحتلال أو هم يتدربون على السلاح ويمكنهم إغلاق مفاصل الضفة الغربية ب(مقاومة سلمية) في أي محاولة لإخلائهم منها بالطرق (السلمية).
وبالرغم من ذلك فإن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تتعامل اليوم مع دعوتها إلى المقاومة الشعبية السلمية مثلما تعاملت مع المقاومة المسلحة قبل أن تلغي (الكفاح المسلح) من ميثاقها، بطريقة انتقائية وموسمية وإعلامية لا تعتمد المقاومة السلمية استراتيجية شعبية بل تحولها إلى أداة تكتيكية تستخدمها للمناورة السياسية في الوقت الضائع بانتظار استئناف المفاوضات، ول(التغطية على فشل المشروع التفاوضي)، ولخدمة أهداف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال في صرف الأنظار الشعبية بعيدا عن أشكال المقاومة الأخرى، ولنزع الشرعية عن المقاومة المسلحة، وللتهرب من استحقاقات المصالحة الوطنية كشرط مسبق لا غنى عنه لنجاح المقاومة سلمية كانت أم مسلحة بطرح المقاومة السلمية خيارا لا اختلاف عليه بين من يريدونها خيارا وحيدا تتساوق الدعوة إليه مع استراتيجيتهم التفاوضية الوحيدة وبين من يقبلون به واحدا ضمن خيارات مقاومة غيرها.
يقول منظرو اللاعنف والمقاومة السلمية إن الاستبداد يكتسب قوته من إذعان ضحاياه وطاعتهم له وتعاونهم معه، لذلك فإن رفض الاحتلال والإذعان له وطاعته والتعاون معه يمثل شرطا مسبقا لشعبية المقاومة السلمية ولنجاحها كبديل ثالث بين القبول السلبي بوضع الاحتلال القائم وبين المقاومة المسلحة له، وكطريق ثالث بين الخضوع للاحتلال وترك الأرض له يصول ويجول فيها على هواه وبين الهروب من قتاله.
ولذلك فإن المقاومة السلمية تستدعي أول ما تستدعى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، والوحدة الوطنية ضده، وهو ما يحدث نقيضه اليوم، فقيادة منظمة التحرير التي تدعو إلى المقاومة الشعبية السلمية كخيار وحيد تواصل التعاون مع الاحتلال والتنسيق الأمني معه وتركز كل جهودها على استئناف المفاوضات مع دولته، وهو ما يفقد الدعوة صدقيتها، وشعبيتها، ويجهضها قبل أن تنطلق، ويحكم عليها مسبقا بالفشل، ويحول تناقض القيادة إلى العقبة الرئيسية أمام انطلاق المقاومة في شكلها السلمي وغير السلمي على حد سواء.
لقد كان أبو اللاعنف في العالم المهاتما غاندي يعد المقاومة السلمية غير العنيفة (حربا من دون عنف) تحركها (قوة الشعب)، لكن نماذج المقاومة السلمية الجديرة بالإعجاب والتقدير في بلعين وأخواتها في الضفة الغربية لا تزال قدوة معزولة عن الشعب، ولا يمكن بالتأكيد وصفها بأنها (حرب الشعب من دون عنف)، و(فرص نجاحها .. طفيفة) كما قال د. مصطفى البرغوثي أبرز قادتها والداعين لها وسبق أن رشح لجائزة نوبل بسبب دوره فيها، والسبب واضح في استمرار عزلتها وبقائها قدوة تنتظر الاقتداء بها على مستوى الشعب والوطن، ناهيك عن النتائج الضئيلة التي حققتها بالمقارنة مع الحقائق المادية التي أنجزها الاحتلال على الأرض خلال السنوات التي أعقبت انطلاقها، لتظل المقاومة السلمية نظرية دون تطبيق حتى الآن بالرغم من استمرار الدعوة لها والتوافق الوطني عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.