* أنا شاب مسلم من عائلة محافظة، مررت بمرحلة التعليم القرآني. حاصل على شهادة جامعية، أعرف الكثير من أمور الدين. أصلي وأصوم وأساعد الناس، مع بعض التقصير، محبوب ومتفوق في نظر الأغلب. كان هذا مجمل الواقع والمحيط والظاهر من شخصيتي. بالنسبة لي فأنا مقصر في كل شيء، أعرف الكثير من المجالات لكن لا أعمل إلا قليلا مقارنة بما أستطيع. مشكلتي أو مشاكلي الآن هي كالآتي: التقصير في الصلاة والواجبات الدينية وعدم الخشوع، مشاهدة الأفلام والمواقع الإباحية بكثرة، وممارسة العادة السيئة، الإهمال وعدم الجدية في الدراسة (رغم القدرات التي أمتلكها)، التفكير في الجنس والزواج والنساء بكثرة، الإحساس بالضياع والتيه والقلق وتأنيب الضمير وغيرها من الأحاسيس.. في بعض الحالات ارتكاب المعاصي والقرآن يتلى أو الذكر أو الأذان. (قساوة القلب). والأخطر وما لم أستطع علاجه أنني ما إن أتوب حتى أنتكس. أنا في مدينة مكتظة ومائعة بأغلبها. العري والفحش والميوعة في كل مكان من الحي إلى المعهد إلى وسائل النقل وغيرها. لكن هناك بعض الإخوان والجماعات والخيّرين الذين أتصل بهم من حين لآخر. أشعر بقساوة في قلبي، وأنني بدأت أبتعد عن الدين خطوة خطوة. أرشدوني ماذا أفعل؟ ** بسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد: فأحييك أخي العزيز الباحث عن الثبات على اهتمامك وحرصك على اتباع تعاليم دينك الحنيف دين الهدى والرشاد، وأسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق ويعينك في أمورك كلها، وقد وجدتُ فيك من خلال ثنايا حديثك حبك للخير ورجوعك للحق بمجرد ارتكاب الخطأ، وهذه صفة تدل على وجود إيمان في قلبك أرجو ألا تساهم في قتله بتلك الحيل الشيطانية التي يستخدمها الشيطان معك، كإيهامه لك بأنك ترتكب الموبقات ولا تستحق أن تكون من المتمسكين بالدين الملتزمين بتعاليمه. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذُكر ذَكر) رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع. وأنت تعلم يا أخي أن كل بني آدم خطّاء، وأن خير الخطائين التوابون كما ذكر ذلك النبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه. إذن ضع في ذهنك أن جميع الناس _ما عدا الأنبياء_ يرتكبون المعاصي بمن فيهم من نراهم من الأتقياء، فالإنسان قد جُبل على ارتكاب الأخطاء، والأنفس تميل إلى الممنوع كثيراً، ولهذا فلا مشكلة في ارتكاب المعصية ما دام أن هناك إنسانًا يقاوم نفسه وهواه وقلبه مؤمن يؤوب إلى الحق بمجرد ارتكابه المعصية، ولكنّ المشكلة حينما يستمرئ الإنسان المعصية ولا يبالي بعصيان رب السماوات والأرض حين يعصيه ولا يهتم بسؤال الله أن يغفر له ذنبه بعد أن يرتكب المعصية. يقول نبي الهدى عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم) رواه مسلم. ولا يمل الله حتى تملوا، كما ثبت في الحديث الآخر. إذن يا أخي: إياك ثم إياك أن تملّ من التوبة والاستغفار، فحتى لو أنك عجزت عن مقاومة نفسك وهواك وارتكبت المعصية تلو المعصية فلا تتوقف عن التوبة والاستغفار. واحذر ثم احذر من حيل الشيطان لك بأن فيك قساوة قلب لا تنفع معها التوبة، أو ما شابه ذلك من الحيل التي يستخدمها الشيطان مع المسلم. ولهذا فإن أفضل طريقة يمكن أن نتعامل بها مع الشيطان هي اتباع ذلك التوجيه الرباني حين قال عز من قائل: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً...) [فاطر: 6]. ذن، اجعل الشيطان عدوك ولا تستسلم له حينما يقول لك إن قلبك قاسٍ، أو أنك ستنتكس بعد توبتك، ولهذا لا جدوى من التوبة أو غير ذلك. بل قل له في نفسك: نعم أنا أخطئ وأرتكب المعاصي، ولكني سأتوب وأستغفر وسأقلع عن المعصية وحتى ولو عدتُ إلى المعصية فسأستمر في التوبة والاستغفار. فأنت إن فعلتَ هذا تكون قد اتبعتَ الهدي الرباني واتخذتَ الشيطان عدواً فعلاً. وبالمناسبة: بما أنك شاب، فمعظم المعاصي التي ذكرتَها في رسالتك ستزول بإذن الله بعد زواجك واستقرارك، أي أن المسألة كلها مجرد فترة مؤقتة فاصبر ولا تستلم فتسقط في الفخ الشيطاني ليبعدك عن التوبة والاستغفار وتأنيب الضمير الذي يدل على وجود إيمان في قلبك يجب عليك ألا تفرّط فيه بمجرد ارتكابك لمعصية أو معصيتين أو حتى مئة. وأنا حين أقول لك ذلك لا أريد أن أهوّن عليك المعاصي عياذاً بالله، بل لأوصل لك رسالة بأن الإنسان معرّضٌ لارتكاب المعاصي والأخطاء، وكما أنه لا يجوز له أن يحتج بهذا ويستمرئ ارتكاب المعاصي فإنه في نفس الوقت لا ينبغي له أن ييأس من رحمة الله ويشعر بأنه شر خلق الله. بل إن التوسط والتوازن هو الحل، فالمسلم يقاوم نفسه وهواه والشيطان، فإن عجز عن ذلك ووقع في المحظور فإنه يتوب ويستغفر. ولا يملّ من ذلك أبداً. أسأل الله العلي القدير أن يعينك على نفسك وعلى الشيطان، وأن يثبتك على الحق ويزيدك إصراراً على الخير وبعداً عن الشر إنه ولي ذلك والقادر عليه.