بقلم: الدكتور محمود مسعود o العقلية الغربية منظمة جدًا وقادرة على السيطرة على العالم بالقوة إذا نظرنا في الأسباب المادية فحسب فالغرب تراكمت له معلومات عن الشرق وعن العقلية الشرقية تمكنه من السيطرة التامة على الشرق بالقوة وبالدهاء السياسي، بل ويمكنهم متى أرادوا أن يحولوا معظم أبنائه خدمًا لهم ولمشروعهم من حيث لا يظنون إلا محاربة الغرب ذاته. فمثلًا لو أراد الغرب القضاء على تطبيق الشريعة يعين شبابًا من المسلمين لا يحسنون الفهم ولا يصبرون على أذاه فيوحي لهم الغربيون أن فهمهم الخاص لبعض الأحكام هو عين الشريعة فلا يزالون يبالغون ويزايدون فلا يجدون ناصرًا لهم من المسلمين، فلا تطبق الشريعة الصحيحة ولا التي في عقول هؤلاء. يخرج من ضئضئ هؤلاء (من يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ)، فيستغل الغرب مروقهم خير استغلال، ثم يقدمهم للعالم كمتطرفين مع أنه صانع وجودهم ومؤيد لحضورهم، بطبيعة الحال هم أعدى أعداء الغرب ولم يكن لهم به صلة مباشرة من قريب أو بعيد. o تصريحات العدو لا تُقرأ بسلامة نية فهي ذات حدين كنت أستغرب أحيانًا من مقالات بعض أعدائنا الصريحة في معاداتها لنا وبعضهم كان مسؤلًا كبيرًا في بلده مثل هانوتو الفرنسي في الماضي أو جورج بوش رئيس أمريكا السابق أو بعض كتاب الصحف العبرية المعاصرين، وما كنت أعلم أنها كالسيف ذات حدين، حد يقصد منه تعليم وترسيخ المفاهيم عند جمهور الشعب الغربي فتكون حاجزًا عن رؤية الإسلام إلا كعدو مبين ثم الحد الثاني يكمن في استمرار الغربيين في تخويف الشرقيين من الغرب القوى. وهذه بعض نقاط خداع الغربيين فهم يؤمنون ببعض المسلمات ويصرحون بها أحيانا ويعملون ليل نهار ليتحقق لهم ما يريدون منها، لذا فهذه نصائحي لقائد الأمة لكي يصل إلى مبتغاه وقد يكون القائد فردا أو جماعة أو حزبا ويد الله مع الجماعة ثم مع الحزب ثم مع الشخص المخلص الواعي لمتطلبات المراحل التي يمر بها للوصول إلى غاياته. - كسب المعركة الحربية لا يعنى انتصارك على عدوك إنما جعل جزء من جيشه يقاتل معك، ولذا زرعت في بلادنا الأفكار الغربية؛ العلمانية والاشتراكية وبنيت الليبرالية واليسار وبات لها جنود من فلذة أكبادنا وتعددت طرقهم في الدفاع عنها كقيم إنسانية وليست كمشاريع لعدونا الذي احتل بلادنا وأذل أجدادنا. - متى تسير خلف العوام تنجح بشرط أن يكونوا لك، يفهم الغرب هذه المسلمة لذا يدفعون العامة بعيدًا عن المعركة فيقال مثلًا: إسلاميين ومسلمين، فالعامة مسلمون والتيارات الإسلامية متطرفة راديكالية...إلخ لذا يوهم العامة بالبعد عن مشروعهم حتى لو لم ينتموا للمشروع الغربي، وبالتالي العامة ليسوا معك أو عليك فبمن تنتصر؟ وهم وقود المعركة وأفضل ساحة لحماية مشروعك، فإذا كانوا لغيرك خسرت بلا شك وإن لم يكونوا معك انكسرت. - متى تسير خلف النخبة تفوز بلا شك وحذار فالخيانة منهم أقرب، إذا كانت النخبة معك ولها أثر في العوام كونت أمة قوية محمية بقوة لا يمكن أحد مقاومتها، لكنهم أقرب للخيانة من جهة تعظيم ذواتهم عكس العامة الذين لا يُعظمون إلا كمجموع، وأخطر شيء عليك أن تكون النخبة ليست منك وأخطر منه أن يكون لها جمهورا أعمى يسير خلفها بلا هدف أو قضية. - متى تستطيع تحجيم الجماهير فأنت الخاسر، فالجمهور هو الأمة ذاتها فحركها نحو الفتح والتمكين وباعد بينها وبين التناحر والشقاق قدر ما تستطيع. - متى يفهمك ويؤمن بك جمهورك فأنت النبي القائد وهذا ما رأيناه من النبوات وخير سيرة في ذلك سيرة النبي العدنان عليه أفضل الصلاة والسلام ويمكن تحقيق المعجزات وتحويل العجز إلى قوة والهزيمة إلى نصر (صلح الحديبية نموذجًا). - ومتى يفهمك جمهورك فأنت المفكر الهمام، ولكي يفهمك جمهورك اسمع أكثر مما تتكلم وإذا تكلمت فدلل، وإذا دللت فلا تبالغ وإذا بالغت فلا تكرر، وكن متواضعًا أشد ما يكون التواضع وفي الوقت ذاته مقدامًا وسيدًا وجسورًا. - ومتى يسمعك جمهورك فأنت السيد المطاع إذا شعرت بجمهورك وحسن سماعهم لك فأنت الآن قائدًا حقيقيًا فعجل الخطى نحو النصر والتمكين فقد لا يستمرون كثيرًا على ذلك حتى لو عدلت وأحسن القسمة بينهم فالفتور أقرب للعامة وأسرع إلى قلوبهم. - ومتى يغني لك جمهورك فأنت مخادع، وكثير ما هم الساسة المخادعون، فلا يعجب ثائؤهم بشيء إلا كباسط كفيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لأن عدوك في طريقه إليهم جملة. - ومتى يسمع جمهورك غيرك فاحتسب فعدوك دخل بالفعل دارك، وتلك هي الهزيمة التي يجب أن تدبر لها وتكيد ومن خلال ما قرأت في كتب التراث لم تنج أمة من ذلك ولم يفلت قائد من هزيمة وقومه على هذه الحالة (ناصر وصدام نموذجا في العصر الحديث). - متى تتقدم العربة على الحصان اعلم أن العربة ستنزل الهاوية وسيموت الحصان، فلا تجعل شعبك يكثر الكلام ويقل عمله ولا تقول ما تستطيع فعله وحدك قبل جمهورك، إن كنت قادرًا على خطوتين خبئ لهم خطوة، لأنهم إذا استهزأوا ببطئك وجدوك أمامهم فجروا خلفك دائمًا. - الجمهور معه حق قبل الفكر والفلسفة وليس بعدهما، بمعنى هبات الجمهور عظيمة فهي تصنع نصرًا لكنها لا تحميه، إلا بك أيها القائد، فلا يجب أن يتقدموا بعد الهبات إلا خلف خطواتك وإلا... كوارث وهبات وموجات من العنف لا يعلم أحد كيف تنتهى (حرب الثلاثين عامًا الدينية نموذج في الغرب في العصور الوسطى). - انفصام المسلمين بين الحلم والواقع يقتل القائد ويقلل من كفائته إن المسلم العادي يحلم بالشريعة وبالطهر ويعيش أحيانًا الرذيلة والفجر فإذا نظرت حولك ورأيت هذه الصورة، فلا تتحدث عن الفجر لكن ذكر بالطهر واستمر حتى يصبح الناس حولك طاهرين، فإن تطهروا لن تجد العفن والعهر. أما لو حاربت الفجر فقد زدت منه وأكثرت حضوره من حيث أردت إزالته، ولن توجد إلا قليل من الطهر. وهذه نصائحي للفرد العادي الذي يبحث عن قائد: أولًا: يجب أن يكون قائدك قضية وليس قاضيًا، فالقضية مستمرة والقاضي إما ميت أو معزول يومًا فإن عشت بعده تشتت جهدك في البحث عن غيره. ثانيًا: أخطر شيء أن تعيش بلا قضية، فهذا معناه الميت الحي وأنت هو الميت بلا معنى والحي في ثوب كائن يأكل ويشرب ويتغوط فاحذر، لأنه سينطبق عليك: كالأنعام بل هم أضل فشبههم الحق بالأنعام أجسادًا واستثنى الأنعام فضلًا لما تفيد به غيرها. ثالثًا: أخطر منه أن تعيش بقضية مؤقتة بزمن وحال ومآل، مثلك كمثل الكلب في لهثه ليل نهار: (إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث) ولن يستريح ضميرك إلا بالفناء والموت المادي لكونك ميتًا معنويًا محتار غير مختار. رابعًا: وأشد خطر من ذلك أن تتبنى قضية غيرك فتمحى فيه وتستنسخ، فمن يتبنى قضية غيره كالسيّاف الذي يقطع أعضاءه بدلًا من ضرب عدوه أو كالأجرب الذي يحك جلده بمخالب من حديد فما يفعل غير قتل نفسه، فانظر في أصل القضية ألها سند في خلدك وعقيدتك أم أنت دخيل عليها مستعذب التعذيب بها، فلا أنت نفعت أمتك ولا أنت حققت حتى غاية شهوتك، فعشت كالعبد لغيرك وأنت تظن أنك شريكه أو نظيره. أين مصر من كل ذلك؟ فكر جيدًا في كل فقرة ستجد مصر حاضرة وفكر في أول وآخر جملة ستجد العدو هو اللاعب الأهم في المعادلة، فشعب طيب لكنه محتار، وشعب باسل الأبد، لكنه خائف اللحظة، وشعب واثق من النصر، لكنه عجول الفعل، وشعب لسانه يقول البلد بلدهم لكنه طاردهم لا محالة بفعله المفاجئ والجسور. فإذا كان مقالي اليوم تخويفًا وإنذارًا فمقالى القادم تطمينًا واستبشارًا، وعنوانه: هل تزول قوة الغرب وعلمه لمجرد ظهور قوة أخرى؟! إذًا ما أضعفها من قوة! وما أوهنه من علم!