بعد عودتهم من الغربة فارغي الجيوب مهاجرون و"حراقة" في طريقهم للجنون يعدّ الهروب إلى الضفة الأخرى حلم كل شاب حتى ولو كان ذلك عبر قوارب الموت والمغامرة بالحياة، وكأن الجنة رسمت لهم هناك بالبلدان الغربية والأوربية التي تعني للكثيرين التحضر والرقي والعيش الرغيد ويحلمون بلفّهم في الحرير بعد الوصول إليها، إلا أن الكثير منهم اصطدم بالواقع المرير والمبيت في الشارع ومطاردات الشرطة، ناهيك عن التمييز العنصري الذي يلحقهم بدليل سقوط الكثيرين ضحايا في جنايات قتل حدثت هناك وجهل أهل الضحية ملابسات القضية ولم تكن لهم الفرصة لمعرفة تفاصيلها الحقيقية واستقبلوا أبنائهم في النعش بدل استقبالهم في سيارات فاخرة وجيوب مثقلة بالأموال، حتى منهم من استعصى عليه جلب فلذة كبده ولم يقو على تغطية تكاليف إعادته لدفنه في ارض وطنه. نسيمة خباجة وهناك من كان مآلهم الجنون خصوصا بعد إعادتهم جبرا أو حتى عودتهم بمحض إرادتهم إلى وطنهم بعد أن تيقنوا من تكاليف الحياة الباهظة هناك وغياب معاني الرحمة والشفقة بين أناس أغراب عنهم، وتلاشى بذلك حلم الثراء والعيش الرغيد بعد أن عادوا بأيادٍ خاوية وجيوب فارغة فكان مصيرهم التنقل بشوارع الجزائر التي ودّعوها وهم في صحة جيدة وعادوا إليها من اجل الزيادة في متاعبها واختيار حياة التشرد وتناول المخدرات وحتى ارتكاب جرائم القتل وسلوك البعض منهم طريق الانحراف بعد أن غابت آمالهم وضاعت أحلامهم. هم شبان امتلأت بهم الأحياء الشعبية بالعاصمة وضواحيها وتناقلت الألسن حكاياتهم المؤسفة خاصة وأنهم يعيشون في حالة ضياع، ومنهم من ألف ارتكاب الجرائم وأضحى سجله مملوءا بالسوابق العدلية، ورغم ذلك لم يكونوا مثالا للآخرين لأجل إلغاء حلم الهجرة من الوطن الأم ومعاشرة قوم غير قومهم، والاحتكاك بديانة تختلف تعاليمها عن ديانتهم وطبائع وعادات لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد، ومنها ما أثرت على سلوكيات الكثيرين وأضحوا من هواة شرب الخمر والعياذ بالله وحتى اخطر أنواع المخدرات التي تنتشر هناك أفقدتهم عقولهم بعد عودتهم إلى الجزائر. منهم هواري، 45 سنة، كهل عازب التقيناه بشوارع العاصمة وهو يعيش حالة تشرد، هيأته النظيفة لا يظهر منها انه مختل إلا أن من يقترب إليه يكتشف ذلك يهوى الغناء كثيرا خاصة وانه ينحدر من ولاية وهران، اقتربنا منه فسرد علينا قصته بحيث مكث بألمانيا لمدة سبع سنوات بطريقة غير شرعية ليتم إنزاله إلى ارض الوطن وحدثنا انه تعرف على فتاة ألمانية وتواعدا بالزواج واخبرنا انه يواصل الاتصال بها حتى وهو في ارض الوطن أملا في التوسط له من اجل العودة إلى ألمانيا، وكان يخلط في الكلام إذ قال انه سيتزوج قريبا وانه على معرفة بفتاتين تقطنان على مستوى العاصمة، وكانت كلها أحلام بالعودة إلى ألمانيا وبالزواج تفوه بها هواري الذي هو في طريقة إلى الجنون إن لم نقل قد جنّ فعلا، لتكون هي خاتمة العيش في الضفة الأخرى وكانت عودته إلى أرصفة وشوارع الجزائر التي احتضنته بالقوة بعد أن رفضت شوارع ألمانيا ضمّه، فهو في الأول والأخير رعية أجنبية لا تتحمل دولة ألمانيا أعبائه، وختم دردشته بالغناء وحقيقة صوته شجي في الأغنية الرايوية ويحفظ الكثير من الأغاني كيف لا وهو ابن عاصمة الغرب الجزائريوهران. وان كانت الغربة فال خير على هواري الذي اختار الغناء والنوم على أرصفة وطنه الأم التي رآها أأمن وارحم من مطاردات البوليس الألماني، فان هناك من الشبان من راحوا إلى طريق الانحراف وحتى ارتكاب جرائم شنيعة لا تغتفر وكان مآلهم السجن بعد أن فقدوا عقولهم نتيجة إدمان الكحول والمخدرات في بلدان الأغراب، منهم احد الشبان الذي عاش ببلجيكا لثمانية سنوات وكان مصيره العودة إلى ارض الوطن من دون تحقيق أمانيه ووجد نفسه في وضعية أسوء من الأول وأحبطت معنوياته خاصة مع النظرات التي تلاحقه بالبيت وفي الحي بين الجيران وهو الذي دخل في العقد الرابع فما كان عليه إلا نسيان همومه أو بالأحرى الزيادة فيها عن طريق تناول المخدرات والسكر والمشاجرات على مستوى الحي إلى أن اقبل ذلك اليوم المشؤوم الذي ارتكب فيه جناية قتل راح ضحيتها صديقه بعد أن ضاعفا جرعات الخمر، فزج بالسجن وحكم عليه ب 20 سنة سجنا نافدا لكي يخرج من السجن وهو صاحب الستين سنة، ولا ندري هل تمنح له فرصة الزواج وتكوين بيت أم سيقضي عمره وحيدا لتكون هي النتيجة السلبية لحلم الغربة في فترة الشباب. أما شاب آخر طرد من انقلترا فاختار هو الآخر تناول المخدرات والسكر العلني على مستوى الحي والقضاء على سكينة وهدوء القاطنين به وتعرضه دوما إلى ملاحقات الشرطة بعد أن ذاع صيته في المشاجرات بحيث كان ناقما على الكل بعد تلاشي أحلامه الوردية. هذا وناهيك عن الشبان المرميين بالسجون في البلدان الأوربية لأسباب متعددة على رأسها إقامتهم غير الشرعية أو ضلوعهم في قضايا متنوعة هناك، من دون أن ننسى هؤلاء الذين ربطوا مصائرهم مع نساء أجنبيات عن وطنهم بغرض الحصول على إقامة، لتكون نتيجة الزواج المختلط وخيمة على فئاتهم منهم حرمانهم من فلذات أكبادهم ،وتشدد زوجاتهم بديانتهن ورفض الدخول في الإسلام ليكون مصير الأبناء مجهولا بين ديانة الأب وديانة الأم، لتضمحل وتتلاشى الأحلام الوردية في غمرة تلك المشاكل العويصة التي تختلف من عينة إلى أخرى إلا أنها تصب في وعاء واحد وتكون كنتائج سلبية لاختيار البعض الهروب من الوطن الأم والمغامرة بالمستقبل لمطامع متنوعة ومتعددة عادة ما يصدم البعض بخواتمها المؤسفة.