أمهاتهم يتذرعن بالخشية من العار ظاهرة التخلي عن الأطفال تستفحل في المجتمع استحوذت ظاهرة اختطاف الأطفال خلال الآونة الأخيرة على عقول المواطنين، حيث بات الكل يدق ناقوس الخطر من أولياء ومصالح أمن وجمعيات المجتمع المدني، والظاهرة في تزايد مخيف، فالعنف ضد الأطفال اتخذ أشكالاً وأنواعا في حق البراءة، ففي ألعابهم عنف الطفولة، وفي تنهيداتهم مآسٍ يصعب تحملها حتى الكبار. ومن خلال ما أصبحنا نعيشه يوميا من عمليات إجرامية باتت ترتكب في حق البراءة من اختطاف وتخلي الأولياء عنهم، فالعثور على طفل ملقى أمام المساجد أو في الحدائق العامة أو أمام أبواب المنازل جريمة في حق الإنسانية خاصة إذا فكرنا في آلاف الأزواج الذين لم يمكنهم العقم من التمتع بهذه النعمة الربانية وآخرون ذهبوا إلى التلقيح الاصطناعي وفعل المستحيل في سبيل الحصول على هذه النعمة، كل هذه التطورات الأخيرة التي أسالت حبرا كثيرا. ورغم القوانين الرادعة والعمل الجبار لمصالح الدرك والشرطة وتطبيق صرامة القانون إلا أن جريمة اختطاف الأطفال من قبل المجرمين أو التخلي عنهم من طرف الأولياء لا تزال تصنع الحدث، فما الهدف من اختطاف البراءة واغتصابها والتنكيل بالأبرياء وقتلهم دون ذنب ارتكبوه فهل من مخلفات العولمة والتقليد لأفلام المافيا الغربية أم لغياب الضمير؟ حيث أصبح في الوقت الحالي العثور على طفل حديث الولادة في وسط الفضلات أو بالقرب من المساجد أو بالأماكن المهجورة أمرا اعتياديا في غاية الخطورة نتيجة غياب الرحمة من قلوب الأولياء الذين يتخلون عن فلذات أكبادهم الذين حملوهم مدة تسعة أشهر ليتم التخلص منهم فيما بعد بأبشع الطرق دون أية رحمة ولا شفقة لا لذنب سوى أنهم جاءوا إلى الحياة بطرق غير شرعية. في ذات السياق أفادت جهات ناشطة في مجال حماية الطفولة، أن عدد الرضع المولودين من علاقة غير شرعية يقدرون ب5 آلاف طفل سنويا، فيما تصرح وزارة التضامن الوطني عن 3 آلاف طفل سنويا فقط، وحسب نفس الإحصائيات التي تتوفر عليها الوزارة المعنية، تكفلت الدولة خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2007 بحوالي 27400 طفل مسعف عبر مختلف ولايات الوطن، كما تكفلت ذات الوزارة ب 24 ألف طفل مولود خارج الزواج أو محروم من العائلة من أصل 29 ألف ولدوا في السنوات العشر الأخيرة. في الشأن ذاته أفادت إحدى المواطنات التي تعمل بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بقسم التوليد برأيها في الموضوع من خلال قولها: (ارتفعت ظاهرة إنجاب الأطفال بدون زواج بنسبة كبيرة في مجتمعنا الجزائري المسلم مما بات ينبىء بحدوث كارثة مستقبلية لو لم يتم التعامل مع الوضع في أقرب الآجال ومعاقبة كل من الأم والأب في نفس الوقت دون إلقاء اللوم على طرف معين لأن كلا الطرفين مسؤولان والضحية هو الابن، ومن بين الحالات التي استقبلناها هنا بالمستشفى والتي تدفع بالأمهات إلى التخلي عن أطفالهن تعود أسبابها بالدرجة الأولى إلى الإنجاب بطرق غير شرعية مما يجعلها غير قادرة على مواجهة كل الجهات ليكون التخلص منه حيا هو الحل بعد أن تكون قد فشلت في قتله وهو في ظلام البطن). ولعل الأمر المؤسف في الموضوع الذي استوجب الوقوف أمامه هو انتقال عدوى التخلي عن الأبناء إلى الآباء المتزوجين بطرق قانونية ووفقا للشريعة الإسلامية بعدما كان مقتصرا على العلاقات غير الشرعية نظرا لظروف معيشية اجتماعية تتحكم في الوضع، وهذا ما أفاد به الدكتور الخبير في علم الاجتماع عبد الحق قيدمة، في حديث سابق من خلال قوله :(أصبحت الحالة الاجتماعية للأسرة تتحكم في إمكانية الاحتفاظ بالأطفال أو تسليمهم لأسر أخرى غنية تضمن عيشا كريما لأطفالهم أمام ضعف قدراتهم المادية، ولعل أغلب الحالات الشائعة والتي باتت معروفة هو لجوء الآباء إلى بيع الطفل لأسرة غنية مقابل مبلغ مادي يساعد في تربية وتنشئة باقي أطفال الأسرة، ومهما كانت صفة التخلي عن الطفل سواء لأسباب الفقر أو لكونه ابنا غير شرعي، سيمثل الأمر خللا نفسيا واجتماعيا شديدا لدى الأسرة المنجبة والظروف الاجتماعية التي تسمح بوجود مثل هذا التفريط بالأطفال وحقوقهم، ومن الناحية النفسية فإن شخصية الأم أو الأب التي تتنازل عن أحد أطفالها شخصية مضطربة وغير متزنة، ومحبطة لدرجة كبيرة جدا، ومن المؤكد أن الأسرة التي تضم مثل هذين الأبوين هي أسرة مفككة وغير قادرة على رعاية الأطفال، وهي أسرة تعاني ماديا من الفقر والحرمان، (فبدلا من مواجهة مشكلاتهم يصلون إلى مرحلة من الاستسلام واليأس والهزيمة فيقدمون على التخلص من أطفالهم إما بالبيع أو الرمي في أحد الأماكن وفي حالات الشخصية العدوانية القتل). من ناحية أخرى جرم جل المواطنين الذين استطعنا التوصل معهم والأخذ بآرائهم الأفعال الشنيعة للآباء اتجاه أطفالهم، ودعوا إلى إنزال عقوبات صارمة عليهم دون رحمة ولا شفقة لأنه بسببه سيكبر الطفل فاقدا للثقة في الأشخاص المحيطين حوله بعدما تخلى عنه أقرب الناس إليه (والداه) اللذان كان سببا في وجوده في هذه الحياة، فماذا ينتظر إذا من الآخرين؟ ففي الوقت الذي يتجرع فيه الآباء مرارة فقدان فلذات أكبادهم من خلال تعرضهم للاختطاف والاعتداء نجد آخرين يقدمون أطفالهم في طبق من ذهب للغرباء أو بوضعهم وسط النفايات، الأمر الذي يستدعي توعية أكبر من قبل الجهات المعنية، فلا الظروف القاهرة ولا العلاقات غير الشرعية سببا كفيلا لجرح البراءة وهجرانها في هذا العالم، لأننا ندين بالدين الإسلامي الذي يجرم كل هذه الأفعال، فبدل بناء مراكز لاحتواء الطفولة المسعفة كان لا بد من إنزال العقاب على الآباء وجعلهم يتحملون مسؤوليتهم اتجاه أطفالهم حتى لا تتفاقم هذه الظاهرة وتعرف اتجاها آخر باعتبارنا مسلمين أولا وقبل كل شيء.