"مصر علمت العالم" كتاب للدكتور وسيم السيسي: من "الوحي الإلهي" إلى توم وجيري! ق. محمود عن الدار المصرية اللبنانية صدر كتاب بعنوان (مصر علمت العالم) للكاتب وصاحب الصالون الثقافي د. وسيم السيسي. يقع الكتاب في 176 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي غير المقدمة والخاتمة، على اثنين وثلاثين فصلاً، تتراوح بين الطول والقصر، حسب طبيعة الموضوع الذي يتناوله المؤلف. وجاء ترتيب الفصول ليعطي صورة شاملة عن طبيعة الحضارة المصرية مثل الفنون والصناعات حتى (الوحي الإلهي)، والحكومة الأولى في التاريخ، وأرقى ماوصلت إليه الكتب و(توم وجيري) اختراع مصري، والحضارة الفرعونية والجزيرة العربية، والقضاء الفرعوني، والرقص في مصر القديمة، ودراما الخير والشر، وبناة الأهرام، وتفسير الزار الفرعوني، وعمرو بن العاص ومكتبة الإسكندرية، ونفرتيتي ليست ليلى، وحتشبسوت ليست حلاوتهم، وإذا لم نكن الفراعنة، فمن هم الفراعنة إذن؟ يقول د. وسيم السيسي في مقدمة الكتاب: نحن نملك أعظم تاريخ .. أطلق عليه جيمس هنري برستد: فجر الضمير .. لأن تاريخ البشرية كان ظلاماً قبل تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ليس برستد وحده الذي كان مبهوراً بهذا التاريخ العظيم .. بل جان فرانسوا شامبليون كان أيضاً مولعاً به حتى أنه قال: يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة. ويضيف د. السيسي: في المتحف البريطاني، قسم المصريات، شاهدت جمجمة في صندوق زجاجي، مكتوب عليه: عملية تربنة جراحة من جراحات المخ مصر القديمة، 2000 سنة قبل الميلاد! وكان أمامي في طابور المشاهدة سيدتان، قالت إحداهما للأخرى: انظري! جراحة مخ، من قبل الميلاد! أين كانت إنجلترا في هذا الزمن السحيق؟! وفي مؤتمر للمركز القومي للبحوث بالاشتراك مع جامعة مانشستر بالقاهرة عن الصيدلة في مصر القديمة، ألقيت بحثاً عن العقاقير التي استخدمتها مصر القديمة في أمراض المسالك البولية والذكورة، وقد طالبت في هذا المؤتمر بتغيير اسم البلهارسيا من Bilharzisis إلى Egyptiasis أي مرض مصري، لأن مصر اكتشفت مرض البلهارسيا قبل تيودور بلهارس بآلاف السنين، وأعطت اسماً للمرض (عاع)، كما عرفت الدودة وأسمتها (حررت)، كما عرفت الدواء وهو الأنتومين، وجعلته لبوسات شرجية بدلا من الحقن، لأن مصر لم تعرف الحقن في هذا الزمن القديم. ويؤكد د. وسيم أنه لم تتعرض حضارة للظلم بسبب الجهل مثل الحضارة المصرية القديمة، قالوا عنهم: لايؤمنون باللّه! بينما إدريس عليه السلام كان مصرياً، وكان أول الرسل! كما كان لقمان والخضر مصريين، بل إن كلمات: دين، آخره، صوم، حساب، إمام، حج، ماعون ... إلخ، من آلاف الكلمات، كلها كلمات مصرية قديمة، كذلك ادعى البعض أن الحضارة العظيمة قامت بها مخلوقات من كوكب آخر (إريك فون دانكشتين عجلات الآلهة كاتب ألماني)، ذلك لأنها حضارة تصيب الناس بالذهول، ولذا نسمع عن ال: Egypto Mania أو الولع بالمصريات، وقد أصبحت واحداً ممن وقعوا في هواها! وفي الفصل الثالث، بعنوان (أول حكومة في التاريخ) يرصد د. وسيم السيسي في حوار متخيّل بينه وبين (حور محب) كيف كانت هذه الحكومة: قال د. وسيم السيسي: حدثني عن أول حكومة في تاريخ البشرية .. كيف نشأت؟ قال (حور محب): أول حكومة في تاريخ العالم كله كانت لدينا سنة 4241 ق.م أي منذ 6253 سنة مضت، وكان ذلك في عصر ما قبل الأسرات. (تجمعنا حول النيل حتى لا نهلك في الصحراء، كان ذلك منذ عشرات الآلاف من السنين وتعلمنا روح الفريق عند خطر الفيضان ووضعنا التقويم الذي تزرعون على نظامه حتى الآن، لأنه أكثر التقاويم دقة وتعلمنا الزراعة حين فاض علينا النيل بالغرين، الذي حُرمتم منه الآن ومن الزراعة وعرفنا الصناعة من الزراعة، وصنعنا الحبال، المكيال، النول، المكوك، الفأس، المنجل، الشادوف، البكرة، المغزل، والكتان الموشي بأسلاك الذهب وصنعنا أوراق البردي فسجلنا تاريخنا وحضارتنا، وظل استخدام البردي حتى القرن الحادي عشر الميلادي وصنعنا الدواء من النباتات الطبية كالزيوت والدهون، ثم استطرد (حور محب) قائلاً: كنت تسألني، كيف تكونت أول حكومة في التاريخ؟ فكما قلت لك، حين وحدنا النيل وعلمنا الزراعة، كان لابد من: إنشاء جهاز فني هندسي للمياه لخدمة آلاف المزراع وهذا الجهاز استدعي جهازاً أمنياً (شرطة)، ثم جهازاً مالياً، ثم جهازا عسكرياً لحمايتنا من أعداء الخارج. وهكذا تكونت أول حكومة في التاريخ، لم ينفرد عقد وحدتها طوال سبعة آلاف سنة. الأمر المدهش، والذي يؤكده د. وسيم السيسي في كتابه المهم (مصر علمت العالم) أن كارتون (توم وجيري) الذي يتربى عليه معظم أطفال العالم، هو اختراع مصري صميم، حينما يقول: إن (توم وجيري) اختراع مصري قديم .. ففي أوراق البردي تجد مدام قطة وقد أصبحت عبدة عند مدام فأرة! وفي بردية أخرى تجد جيشاً من الفئران محاصراً قلعة محبوساً فيها مجموعة من القطط! وهناك أسطورة مصرية تقول إن القطة الجميلة دائمة الابتسام (باستت Bastet) كانت أصلاً اللبوءة الغاضبة من أعمال البشر .. وقد كانت لها تماثيل كثيرة في مدينة (بوباسطة)، ولكنها نُهبت الآن. إن مصر القديمة تعيش فينا لم تغيرها 2500 سنة احتلال، لأن الحضارة أقوى من السيف والرمح على مر الزمان. ويواصل د. السيسي رصده لمظاهر الحضارة المصرية التي أخذت عنها كل الحضارات وذلك حينما يصّور في الفصل العاشر، عملية الحساب الأخروي ومحاكمة الروح والجنة والنار، وقلب المتوفى، وريشة العدالة على الميزان، والقدر وهو يشفع لصاحبه وهو ما أخذته عَنّا الحضارات المختلفة، وكيف بدأت أسئلة القضاة المكونة من 42 سؤالاً: هل حافظت على جسدك طاهراً؟ هل امتدت يدك إلى ما ليس لك؟ هل قتلت؟ هل كذبت؟ هل كنت أسيراً لغضبك يوماً؟ هل سكرت حتى فقدت عقلك؟ هل عذبت حيواناً؟ هل نسيت أن تسقى نباتاً؟ هل كنت سبباً في دموع إنسان؟ هل نظرت إلى امرأة غير زوجتك؟ هل تحدثت بسوء عن غيرك؟ هل مزقت الغيرة قلبك؟ هل تملكك الغرور؟ هل تعلقت في الدنيا بسلاسل من ذهب؟ هل شهدت بالزور؟ هل أخذك الغرور بذكائك فعميت عليك حكمتك؟ هل تذكرت الإله وسألته الهداية في رحلة حياتك؟ هل تنكرت لجارك؟ هل سلبت حرية أحد؟ هل عاملت من هو أقل منك بالطريقة التي تكره أن يُعاملك بها من هو أكبر منك؟ كان الحكيم (آني) يجيب عن أسئلة القضاة، وهو يتصبب عرقاً، وحين سألوه عن الغضب تلعثم، وعندما انتهت الأسئلة، تقدم (آني) قائلاً: أيها الإله الأعظم .. كنت عيناً للأعمى . يداً للمشلول. رجلاً للكسيح. أباً لليتيم. لم ألوث الماء. لم أحلف كذباً. لم أغش في الميزان. لم أتلف أرضاً مزروعة. إن قلبي نقي. يداي طاهرتان. أعلن (تحوت) أن قلبه صافٍ وأن أعماله أرضت الإله. وقال الإله الأعظم: إن روح (آني) قد سجلت ولادتها في عالم الخلود وسفر الحياة. ويجمل د. وسيم السيسي غرامه للحضارة المصرية في الخاتمة قائلاً: هذه هي مصر التي علمت العالم .. علمته الإيمان بالإله الواحد.. هو ذا إخناتون يشدو في بردية بالمتحف البريطاني: أيها الواحد الأحد الذي يطوي الأبد، يا مخترق الأبدية، ونورك يحيط بجميع مخلوقاتك، يا منقطع النظير في صفاته، ويملأ البلاد بجماله، يا موجد نفسك بنفسك.. أنت حي وأزلي، يا مرشد الملايين إلى السبل، يا خالق الجنين في بطن أمه، أنت جميل وعظيم ومتلألئ. إن الغزوات التي مرت على مصر، كانت تغييراً في الحكام، ولم تكن تغييراً في شخصية (هوية) مصر (فلاندر بتري)، طردت الهكسوس، جعلت الإسكندر يعتنق الآمونية، وجعلت روما تعتنق المسيحية، ووضعت أسس الرهبنة في المسيحية (أفلوطين المصري)، والتصوف في الإسلام، دافعت عن الإسلام في ذات الصواري، وحطين، وعين جالوت، كما بنت القلاع والمساجد، والحصون، وعمرت خزائن بغداد بنفائس الإسكندرية، وكان منها كتاب العالم المصري ديسكوريدس: خواص العقاقير. ويؤكد د. وسيم علي أن مصر علمت العالم في كل نواحي الحياة، جمعت الحديث النبوي الشريف، وسجلته على ورق البردي فأصبح أقدم المخطوطات العربية، وجاء بن منظور القبطي (المصري) ووضع لنا كتاب: لسان العرب، وجاء ورش القبطي (المصري) يرتل لنا القرآن الكريم الذي انتشر في العالم كله: بقراءة ورش الباقية حتى الآن. مصر علمت العالم الوسطية في كل شيء، فالكرم وسط ما بين الإسراف والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، لذا كان إسلام مصر مختلفاً عن إسلام الدول الأخرى، كذلك مسيحية مصر أيضاً. الجدير بالذكر أن د. وسيم السيسي أحد كبار المهتمين بعلم المصرولوجيا، وهو أستاذ جراحات المسالك البولية، وزميل كلية الجراحين الملكية في أنجلترا وكلية الجراحين الأمريكية، وعضو في الجمعية الأمريكية لدراسات الظواهر الجوية، وحاصل على براءة اختراع لجهاز فحوص بالمسالك، وهناك عملية جراحية مسجلة باسمه في جراحة البروستاتا المتضخمة. كما أن له العديد من المؤلفات والمقالات في الصحف والمجلات منها: الطب في مصر القديمة، و(نظرة طبية فاحصة في الحب والجنس) و(مصر التي لا تعرفونها) وهو صاحب (صالون المعادي الثقافي)، يكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة المصري اليوم وغيرها من الصحف المصرية والعربية.