من العادة أن تختص بعض المحلات في تجارة معينة، وفي بيع سلع واحدة حتى إذا ما أراد المواطن أن يشتري غرضا ما عرف إلى أين يتجه، لكن يبدو أن بعض المحلات أرادت إن تستأثر بكل الزبائن، وتبيع كل شيء، ليأتيها الجميع. هذا ما تفعله بعض المتاجر، او أصحابها، الذين لا يكتفون بتجارة واحدة في محلاتهم، بل يزيدون على السلع التي اعتادوا بيعها سلعا أخرى قد لا تكون لها أي علاقة بينها، مثل أن يبيع الخضار الخبز، او أن يستثمر بائع التبغ والعطور مساحة من محله لبيع اللبن او الحليب، او أكثر واغرب من ذلك، أن يضيف الحلاق على مهنته كحلاق بيع الأواني! والحالات التي صادفناها، ولو أن كل واحد من هؤلاء التجار تذرع بحجة ما، إلا أنها حالات غريبة لم نشأ إلاّ الوقوف عندها، وكانت البداية من بني مسوس، البلدية المنسية التي تحسب وان تدخلها انك تخرج من العاصمة رغم أنها غير بعيدة عن الوسط، او على الأقل فهي ابعد عن حدود العاصمة منها من وسطها، وكنا مارين من حي السميعة، حين شاهدنا محلا بدا لنا في البداية انه بائع أواني منزلية، حيث كانت موضوعة عند مدخله، لكننا مع اقترابنا أدركنا أنها ليست كذلك، أو أن المحل ليس للأواني فقط، بل انه حلاق كذلك، وهو الأمر الذي أثار استغرابنا وانتباهنا، وجعلنا نتوقف عنده ونحاول من صاحب المحل الاستفسار عن الأمر، فقال لنا والابتسامة لا تفارق وجهه: "في الحقيقة أنا حلاق، وهو ما علمه الناس من أمري منذ مدة، وقد وضعت تلك الأواني حديثا، ولم أكن لأفعل لولا أن جاءتني فرصة شرائها بأسعار معقولة ففعلت، وقررت أن أضع عند باب المحل لمن يريد اقتناءها، ولا أجد الضرر من ذلك، فالأواني ليس مواد غذائية تجبرني على أن أتفرغ لبيعها، بل إن الناس تشتريها بالقطعة، ولا احتاج إلا أن أتوقف عن الحلاقة من حين لآخر لكي أبيع هذا الزبون او ذاك، وهو الأمر الذي لا يزعج زبائني الذين جاؤوا للحلاقة، بل بالعكس من ذلك فإنهم استمتعوا كثيراً وهم يرونني افعل ذلك، وأكاد لا انتهي من الانتقادات والسخرية التي أنالها من أبناء الحي والأصدقاء، لكنهم في النهاية يتفهمونني". وغير بعيد من بني مسوس في بلدية الشراقة، صادفتنا حالة أخرى لتاجر هو في الأصل بائع مواد غذائية، لكن ذلك لم يمنعه أن يبيع بالإضافة إلى ذلك التبغ والجرائد والحلويات وكذلك المثلجات والعطور ومستحضرات التجميل، الأمر الذي يقول لنا عنه انه أثار فضول الكثير من أبناء الحي وأصدقائه الذين كانوا يسألونه في كل مرة عما جعله يبيع كل شيء في مساحة لا تتعدى بضعة أمتار؟ لكنهم مع الوقت ألفوا ذلك وصاروا يقصدونني للشراء، أما الأشخاص الغرباء فلا زالوا يعجبون للأمر، ويعتبرونه غريبا، وصرت اشرح لكل شخص يقدم إلى محلي، حتى لو لم يسألني، بل إنّ نظرات الاستغراب والاستفسار التي أراها على وجوههم تجعلني اشرح لهم أنني كنت في البداية أبيع المواد الغذائية، ثم تحولت إلى بائع عطور وتبغ وغير ذلك، وكانت قد بقيت معي بعض السلع الغذائية التي بعتها على سبيل التخلص منها، ولكن الأمر راق لي، وقلت بيني وبين نفسي لما لا أبيع كل شيء وانتهى الأمر؟".