مما يثير الأسى والحزن في نفس المسلم أنه في كل عام عند دخول شهر رمضان أو حلول عيد الفطر يبرز تفرق المسلمين وتشتتهم عند بداية صومهم ثم عند فطرهم، حتى وإن تقاربت بلادهم جغرافياً. والصوم عبادة وليس سياسة، ولكن رغم ذلك فإن أنظمة الحكم باختلافها وتفرقها فيما بينها قد فرضت هذا الاختلاف والتفرق على شعوبها حتى في عباداتهم وعلماء الأمة في كل قطر لم يحركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم؛ بل سايروا هذا الواقع وفقاً للحدود السياسية التي حددتها ورسمتها الدول الاستعمارية تطبيقاً لاتفاقية (سايكس بيكو) المشؤومة وأخضعت الأحكام الشرعية لدخول شهر رمضان ولعيد الفطر طبقاً للحدود السياسية المرسومة حسب هذه الاتفاقية الاستعمارية. أولاً: أن وقت دخول شهر رمضان أو شهر شوال أو غيرهما من الشهور العربية التي بنيت عليها الأحكام الشرعية قد بينها القرآن الكريم وحددتها السنة النبوية الثابتة عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم-، والصوم والفطر والحج إنما هي عبادات لها أحكامها الشرعية التي إنما تؤخذ من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ونبني عليها فحسب. فقد ورد السؤال وجوابه في آية واحدة من سورة البقرة حيث يقول الله _ سبحانه - : (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) آية (189). ثانياً: السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل لكل بلد رؤيته فلا يصوم أهل كل بلد أو يفطرون إلا إذا رُئِيَ في بلدهم فحسب، أم أنه إذا ثبتت رؤية الهلال شرعاً في بلد ما وجب الصيام على المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها؟ وهل حكم الصوم والإفطار في كل بلد أو إقليم مرتبط شرعاً بالحدود السياسية لذلك البلد أو الإقليم الذي رُئِيَ فيه الهلال من حيث وجوب الصوم أو الإفطار من عدمه. أم ماذا؟ هذا سؤال مهم وهو الذي يخطئ فيه _ كل سنة _ كثير من الناس أفراداً وجماعات، ويبدو لي أن علماء وفقهاء المسلمين في هذا الزمان قد قصروا كثيراً في هذا المجال، إذ لم يبينوا للناس أن الحكم الشرعي للصوم والفطر لا علاقة له بالنظام السياسي في كل بلد، كما أنه لا علاقة له بالحدود السياسية حتى يجنبوا المسلمين من الوقوع في هذا الخطأ الفاحش، حيث تجد على جانبي الحدود السياسية مسلمين بعضهم صائم أول يوم من رمضان وبعضهم مفطر تبعاً مع أن مساكنهم بجوار بعضها أو يفصل بينها بضع مئات من الأمتار.