ثمانية عقود من الزمن هي عمر الحركة السردية في اليمن، شهدت خلالها تحولات كثيرة، ومنذ العام 1927 الذي شهد ميلاد رواية (فتاة قاروت) للأديب الحضرمي أحمد بن عبيد الله السقاف كأول عمل سردي وإلى اليوم والمشهد السردي اليمني بين مد وجزر، ترتفع وتيرته تارة وتنخفض تارة أخرى. لكنه ظل يغذ السيرَ حثيثا نحو شهودٍ سردي مكتمل، يتجاوز سذاجة المحاولات الأولى إلى خطاب إبداعي راشد، يستلهم أرقى وأجد تقنيات السرد، ويتجلى في إصدارات يشكل بعضها علامات فارقة في المسيرة السردية اليمنية، كما يتبرز في تلك الفعاليات السردية التي يحتضنها عدد من المنابر الثقافية، ومنها قصر الثقافة بصنعاء. ويقول القاص والناقد صالح البيضاني إن الحركة السردية في اليمن مرّت بمرحلتين متتابعتين: مرحلة التأسيس، ومرحلة الجيل التسعيني. وتبدأ المرحلة الأولى تاريخيا برواية (فتاة قاروت) للكاتب أحمد السقاف، إلا أن التأسيس الحقيقي لهذه المرحلة كان عام 1940 بصدور رواية (سعيد) للأديب محمد علي لقمان. وبازدهار الصحافة المطبوعة وارتباطها بالحركة الوطنية - يقول البيضاني- انتعشت الحركة السردية في هذه المرحلة، وظهرت أسماء عديدة كحسين باصديق وصالح الدحان وعبد الله باوزير، كما ظهرت أصوات نسائية كشفيقة الزوقري ورمزية الإرياني. وبرزت في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أهم الأصوات السردية حضورا مثل محمد عبد الولي وزيد مطيع دماج، وكتب الأخير عددا من الروايات منها (الرهينة)، وهي أكثر الروايات اليمنية شهرة وطباعة وترجمات. وبحسب البيضاني فإن أهم ملامح هذه المرحلة هو طابع الإنجاز الفردي لها بعيدا عن كونها حركة مكتملة الأركان والشروط، حيث ظهرت العديد من الأعمال السردية على شكل ومضات متباعدة، لا تشكل ظاهرة سردية أو جيلا سرديا. أما المرحلة الثانية _وفق البيضاني- فهي مرحلة جيل التسعينيات من القرن الفائت، وهو الجيل الذي جعل من فن السرد الأدبي فنا ذا مكانة، في بلد لا صوت يعلو فيه فوق صوت الشعر، فظهرت عشرات الأسماء التي بات من العسير إحصاؤها، ورصد نتاجاتها. ويرى القاص زيد الفقيه -وكيل الهيئة العامة للكتاب والأمين العام لنادي القصة (المِقة)- أن أهم ما يميز الحركة السردية في المشهد اليمني اليوم هو اقتراب خطابها من لغة الشعر، خاصة مع ظهور الأقصوصة التي باتت تعرف أيضا ب (الأقصودة)، التي تعتمد في بنائها الفني على التكثيف والإيحاء والاختزال، وهي من أخص تقنيات القصيدة الحديثة. ومن الملامح أيضا _والحديث لا يزال للفقيه- مواكبة الحركة السردية اليمنية لغيرها من الحركات إقليميا ودوليا بفعل الانفتاح والتثاقف والتأثُّر والتأثير، كنتاج طبيعي لمفاعيل العولمة. ويضيف صلاح الدين نعمان _وهو قاص فائز بجائزة رئيس الجمهورية في دورة سابقة- ملمحا آخر يتمثل في اتساع الفضاء السردي أفقيا بتماهيه مع عدد من الأجناس الأدبية والفنية، ورأسيا بمعالجته لمختلف الظواهر الحياتية بتفاصيلها الدقيقة. وبينما يعترف زيد الفقيه بتسيّد الكم على الكيف في الإنجاز السردي اليمني، مؤكدا أن هذا شأن الكتابة الأدبية في مختلف العصور، ترى الناقدة اليمنية آمنة يوسف أستاذة النقد القصصي في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض أنّ مثل هذا القول مجاف للصواب، وصادر إما من صحفيين يشتغلون بالصحافة الأدبية وإما من نقاد انطباعيين غير أكاديميين، وهو في كلا الحالين يتناقض مع شرط الموضوعية التي ينبغي أن يتحلى بها الناقد المتخصص أكاديميا. ويشير نعمان إلى أن أعمالا لا ترقى إلى مستوى النشر صدرت عن جهات اعتبارية، كوزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ونادي القصة، وهو ما عزز قناعة البعض بخفوت الجانب الإبداعي في المشهد السردي اليمني رغم كثافة إصداراته. وترجع آمنة يوسف غياب الأعمال السردية اليمنية عن المشهد العربي إلى سببين، فرغم مواكبة حركة السرد في اليمن لحركة السرد في الوطن العربي من حيث الإبداع والنشر، فإن حركة النقد السردي في اليمن لم تستطع حتى اليوم أن تحتوي من حيث المنهجية والتنظير النقدي هذا الكم الهائل من الإصدارات السردية. ومن ناحية أخرى فإن الإعلام اليمني قصّر كثيرا في التعريف بالحركة السردية على النطاق المحلي، ناهيك عن النطاق الإقليمي، مما جعل كثيرا من المثقفين في المنطقة العربية يعتقدون أنّ الإبداع السردي في اليمن ضعيف ومحدود. ويؤكد الفقيه ما ذهبت إليه آمنة يوسف، مضيفا سببا آخر يتمثل في أن الوجدان الأدبي في الوطن العربي لا يزال مسكونا بمقولة (الشعر ديوان العرب)، وبسبب ذلك فإن اهتماماته الأدبية تتجه في المقام الأول نحو الشعر، ثم يأتي فن السرد في مرحلة تالية، مؤكدا أن السرد لا يحقق تقدما عن الشعر إلا في المجتمعات المدنية ولا يزال العالم العربي بعيدا عن ذلك.