يقدم مطعم الهلال الأحمر الجزائري ببني سليمان في المدية، منذ تسعينيات القرن الماضي وجبات ساخنة (أي محمولة) للعائلات المعوزة بتراب البلدية والمناطق المجاورة لها، إضافة إلى تقديم وجبات أخرى داخل المطعم بمدرسة النورالشمالية، لعابري السبيل وبعض عمال المؤسسات الإجتماعية على قلتها. "(أخبار اليوم) زارت هذا المطعم للوقوف على ظروف تموين وتحضير الوجبات من طرف شبان متطوعين هم في زهرة حياتهم. كانت الساعة الرابعة وعشرة دقائق، حينما دخلنا ساحة المدرسة، حيث مجموعة من البنات على أمتار من المطعم يظن العابر أنهن من المجمع السكني المخصص للمعلمين، لكن مخاطبة إحداهن للأخريات (أنتم من الفقراء، جيتو تدو الفطور من المطعم)، شدّ انتباهي احمرار وجه إحداهن، فقلت لها مبتسما هل أنت صائمة؟ فردت على الفور بنعم، ومن أين جئت من قرية العواوجة تبعد بنحو 4 كلم عن بني سليمان. وحدك؟ لا رفقة زميلاتي لأخذ الوجبات الرمضانية بدل أبي العاجز، ودعتهن بعبارة صح أفطوركم، حتى لا أضيع فرصة الدردشة مع ثلاثة مواطنين خرجوا من المطعم حاملين قفف فطورهم وأفراد عائلاتهم كالمدعو (ب.أحمد) في نهاية العقد الخامس من عمره، تتكون أسرته من عشرة أفراد من قرية الرواكش التابعة لبلدية بوسكن المجاورة. يقطع 30كلم إيابا وذهابا لأخذ لقمة الفطور، وعن ظروف قدومه يوميا لأخذ الوجبة المحمولة قال أتحمل حرارة شهر جويلية، كما ترى الله غالب لأنني عامل بمدرسة القرية في إطار الشبكة الإجتماعية لأزيد من 16عاما، وكنت أتلقى 3000 دينار في الشهر والآن 5400 د.ج أي بزيادة 1400 د.ج في حين أرتفعت الأسعار إلى السقف. وفي السياق ذاته أضاف أنا على عتبة بلوغي 60 سنة حيث يتم توقيفي عن العمل لكن دون تمكني من التقاعد. طأطأ المسكين رأسه ولسان حاله يردد "الله غالب الله غالب لو كنت أتلقى مليون سنتيم شهريا لما سجلت نفسي ضمن قائمة الراغبين في الإستفادة من مطعم الرحمة. وعن سؤال حول أحواله بعد إنقضاء الشهر الفضيل، قال أبدأ رحلة البحث عن فرص عمل لدى الخواص كالمقاولين وغيرهم لإعالة أفراد عائلتي، ورغم هذه الظروف أضاف فإني أشكر الله بكرة وأصيلا ختمها محدثنا. مواطن آخر يقطن بقرية أسخايرية بنحو3 كلم من مقر البلدية، تتكون عائلته من خمسة أفراد، يبدو في العقد الرابع من العمر، يكتفي بالخبز والطبق الثاني بعد الشربة، التي يفضل تحضيرها في المنزل من طرف زوجته "طبق اليوم كان طاجين زيتون". إضافة إلى زجاجة ماء معدني من نوع "قديلة". مواطن ثالث تتكون أسرته من سبعة أفراد، بادر إلى شكر الشباب المتطوعين، مؤكدا وصول الوجبة الساخنة إلى المنزل قبيل موعد الفطور، يتلقى 18000 د.ج المساوي للأجر القاعدي المحدد، مقابل عمل في إطار الجزائر البيضاء، وهذا حسب حصول المقاولة على مشروع أو مشروعين في السنة. أما رابعهم فمن قرية أولاد علال بنحو 6كلم عن بني سليمان، يعيل ستة افراد يعمل بالجزائر البيضاء كذلك. وعن محتوى الوجبة أكد أنها تتكون من الشربة + طبق آخر + الخبز +زجاجة ماء معدني. وحسبه فلولا الحاجة الماسة لمثل هذه الوجبات لما تحمل عناء السفر اليومي، لكنني أشكر الله والقائمين على تسيير المطعم ختمها محدثنا. وبمدخل المطعم التقينا برجم الربيع فقد والده أثناء الثورة التحريرية وامه بعد الإستقلال. يقوم بتسيير هذا المطعم لأزيد من 20 عاما، وحسبه فإن هذا المطعم يعتبر من أحسن مراكز الهلال ال13 مطعم بالدوائر الكبرى بالمدية، بفضل التجهيز الجيد منذ تدشين المدرسة نهاية سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى تجربة طباخ المدرسة لأزيد من عشرين سنة كذلك، يقدم 60 وجبة محمولة يوميا في المتوسط، يدون أصحابها في دفتر من طرف أحد الشباب المتطوعين، وفق ملف يتكون من شهادة عائلية ونسخة من بطاقة الهوية فقط، بالإضافة إلى قرابة 20 وجبة كاملة تقدم داخل المطعم، لعابري السبيل وبعض العمال بسد بني سليمان بجواب وكذا المواطنون بلا ماوى، وعن دور لجنة الهلال في تموين المطعم حصرها مسيره في الخضر واللحوم بنوعيها وكذا الحبوب الجافة، كما أن مواطني المنطقة يساهمون وبشكل ملفت وبكل المواد حسب ما وقفنا عليه، والملفت للنظر هذه السنة ظاهرة تنافس الأطفال على تزويد المطعم ببعض المواد، على غرار كيلو بطاطا وزجاجة ماء معدني وخبزات و..و، وهي ظاهرة تستحق التشجيع. أما فيما يخص ظاهرة الأطفال بدل أوليائهم لحمل الوجبات المحمولة، أرجعها محدثنا إلى عزة النفس لدى الكبار الذين يأبون حمل قففهم الرمضانية أمام نظرائهم، رغم أن اغلبية الزواولة من ضحايا الإرهاب والمطلقين وذوي الإحتياجات الخاصة، وعن توفيق برجم بين عمله كمراسل صحفي بإحدى اليوميات وتسيير مطعم الرحمة. قال أنني أحاول تنظيم أمور المطعم في الصباح، ثم أنصرف إلى مقهى الانترنيت للقيام بمهمة المتاعب وهذا حتى نهاية الشهر الفضيل.