شكلت مجزرة الحرم الإبراهيمي بالخليل التي نفذها الإسرائيلي باروخ غولدشتين بصلاة الفجر بتاريخ 25 فبراير 1994، حقبة تاريخية مفصلية في جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فالمجزرة التي خلفت 29 قتيلا فلسطينيا وعشرات الجرحى، جاءت في إطار المساعي الإسرائيلية لتهويد المكان وشطب الهوية الفلسطينية والمعالم العربية والإسلامية. وقد ركزت حكومات تل أبيب على توظيف العامل الديني في الخليل، وتجاهل البعد السياسي للصراع، ما انعكس على نظرة الجانب الإسرائيلي للحرم واعتباره تراثا يهوديا، ليتحول لاحقا إلى رمز للصراع الديني أسوة بالمسجد الأقصى المبارك. ويَعتبر الحاخام إلياهو كوفمان الخليل مدينة مقدسة في الديانة اليهودية على اعتبار أنها تضم أضرحة النبي إبراهيم وسلالته، ما يجعلها في نظره أكثر قدسية حتى من مدينة القدسالمحتلة. لكن كوفمان، المحسوب على تيار الحريديم، لا يتنكر لمكانة الخليل بالنسبة للمسلمين، الذين (حافظوا على تاريخ وقدسية المكان دون أي محاولة لتزييف التاريخ وطمس الآخر). وفي حديث له يوضح كوفمان أن المغارة (الحرم الإبراهيمي) كانت محور جدل بالتاريخ اليهودي لأن المواقف اليهودية ظلت متباينة بشأن إقامة الصلوات التلمودية في المكان. ويضيف أن القيادات الإسرائيلية من اليسار واليمين تعمّدت استغلال وتوظيف الرموز الدينية اليهودية بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي لخدمة أجندتها وتحقيق أهدافها. وقد أدت هذه السياسات إلى غلبة الطابع الديني على الصراع حول القدس والأقصى فتم الترويج ل (حائط المبكى) و(الهيكل الثاني) وغيره من المزاعم الإسرائيلية التي ترمي إلى تهويد التراث والتاريخ. ويرى كوفمان أن حكومات إسرائيل ترمي من خلال (تديين) الصراع مع الفلسطينيين إلى خلق إجماع يهودي بشأن مواقفها الرافضة لتسوية الصراع. ويعتبر أن الزج بالجماعات اليهودية الاستيطانية بالخليل يهدف في المقام الأول إلى خلق حالة من الإثارة والتحريض لأن عقلية القومية الصهيونية مبنية على مصادرة المقدسات وإلحاقها بالديانة اليهودية. يشار إلى أن الحرم الإبراهيمي بالخليل، يعود تاريخ بنائه إلى 1900 سنة قبل الميلاد، ويعد رابع مسجد إسلامي من حيث القدسية، وقد أقامه نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد أن اشترى مغارة (المكفيلا) من عفرون بن صوحر. وبحسب المعتقدات الإسلامية يضم الحرم أضرحة الأنبياء إبراهيم ويعقوب وإسحاق عليهم السلام وزوجاتهم سارة ولائقة ورفقة. وفي المغارة ضريح يوسف عليه السلام، حيث تؤكد الروايات أن رفاته نقل من نابلس إلى الخليل ليكون بجانب آبائه، بينما يرى بعض المؤرخين أن الحرم الإبراهيمي يضم أيضا أضرحة آدم وسام ونوح. من جانبه، يرفض نائب رئيس الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني الشيخ كمال خطيب الروايات والمراوغات الإسرائيلية، ويتساءل عن ما إذا كانت المرحلة المقبلة من المفاوضات ستعيد إنتاج سيناريو المسجد الأقصى لتطبيقه على الحرم الإبراهيمي.