عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن صام رمضان، ثم أتْبَعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر))؛ رواه مسلم. تجديد عهْد، واثبات ثبات، وتأكيد صِدق، وتصديق قول، ومواصلة سير، وبحث عن الكمال، وسعي في المنال، ومسارعة إلى الرِّضوان، ومسابقة إلى مغفرة، وحرص على دوام الاتصال وبلوغ أعلى المراتب. ستٌّ في العدِّ لكنها كمال الدهر، ليكون العمر كله في قاموس الصيام، ويَصدق صوم الدهر على وصْف العبد الحريص على صوم الست من شوال بعد صوم الشهر. صوم الست من شوال اتباع الطاعة بأختها، وإلحاقها بأصلها، وتعزيزها بمِثلها، لتستمر زيادة إيمان صاحبها وترتفع درجتُه وتقترِب منزلتُه من الكمال. ستٌّ من شوال بعد شهر كله طاعات وصلوات وتِلاوات تأتي ليواصل الأقوياء تفوُّقهم على أنفسهم، ويقهروا أهواءهم من جديد، ويتغلَّبوا على عدوهم، فيزدادوا نورًا إلى نورهم. ست من شوال يعيش المؤمن فيها ذِكرى تلك اللحظات الرائعة القريبة التي كانت في رمضان ويستعيد حلاوتَها وجمالها، ويعلم أنه لا بد من مواصلة خط الاستقامة والسير على نفس الطريق وإن لم يكن بنفس القوة والزاد، إلا أنه لا تَوقُّف ولا تراجُع، وليبقَ المؤمن على صِلة دائمة بربه حتى يأتيه منه اليقين، وينتهي به الأمر في جنات النعيم. ست من شوال درس للنفس أنه وإن كان العيد استراحة إلا أن الأصل أن استراحة المؤمن الكاملة والحقيقية في الجنة، وأنها في هذه الدنيا ما خُلِقت للعب واللهو، وأن عليها أن تستمرَّ في طاعتها لربها خالقها ورازقها. بعد شهر مليء بالروضات الحسان واللآلئ والمرجان من مختلف الطاعات وأصلها الصيام، يستمرُّ المسلم في جني الحسنات وإكمال الفراغات والوقوف على أبواب الخيرات، تأتي الست من شوال لتقول له: لم ينتهِ المشوار، ولا استقرار إلا في جنَّة الرِّضوان. بعد استراحة العيد السعيد وفرحة الصائم بيوم فِطره، يأتي النداء لمواصلة السير وتجديد التجديف في بحر الحسنات، وطلبًا لإرضاء الرحمن الرحيم. ومَن أتمَّ الشهر صيامًا، فالأولى المسارعة في إلحاق الست به قبل فتورِ العزائم، ونزول المشاغل، وحدوث ما لا يعلم من العوائق، فما أحلاها والقلب لا زال قريبَ عهد بها، وما أخفها والبدن لم يألَف غيرها بعد، فتَسهُل لاتصالها بأصلها، وتؤكِّد صِدْقَ صاحبها وقوَّة عزمه فيها. ستٌّ تتبع شهرًا فيُحقِّق صوم الدهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها والمعبود كريم، وهي دعوة إلى أن العبد جدير به ألا يَنقطِع عن طريق يُقرِّبه من العزيز الحكيم، وخاصة وقد ذاق حلاوة السير فيه وعرَف ثمرته. فالعزيمة على مواصلة السير على الدرب وأن لا عودة إلى الوراء، وأن ما عند الله - تبارك وتعالى - لا يؤخذ بالأماني. أكرِموا أنفسكم باغتنام فرص الرحمة من ربكم وصوموا الستَّ، فقد صمتم الشهر، والأيام فرص، والفرص لا تعود، ومَن وجد من نفسه قدرةً هذا العام قد لا يجدها فيما يأتي من الأيام، ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.