ردّت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقوة على (الخرجة الغريبة) التي وقّعها مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة الذي نُسب إليه تأييده لقتل المتظاهرين، وفق مقطع فيديو تمّ تسريبه مؤخّرا، وأدرجت الجمعية في مقال نشره موقعها الالكتروني مثل هذا الكلام ضمن خانة (فتاوى الزور). تحت عنوان (فتاوى الزور من الإسلام المأجور) كتب الدكتور محمد دراجي مقالا نشره موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على الأنترنت وتمّ إرفاقه بصورة للمفتي السابق لدولة مصر (الشيخ) علي جمعة، وهو ما لا يترك مجالا للشكّ والجدل بشأن هوّية المقصود من مضمون المقال الذي نُشر بعد ساعات من الضجّة التي أثارتها خرجة جمعة الذي دعا بحضور الفريق السيسي حسب الفيديو المسرّب إلى إطلاق النّار على المتظاهرين المؤيّدين للرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي قال إن شرعيته سقطت لأنه يعتبر -حسب قوله- إماما محجورا عليه بسبب اعتقاله. وفيما يلي النص الكامل للمقال الذي نشره موقع جمعية علماء الجزائر الذي وإن لم يذكر الدكتور علي جمعة بالاسم فإنه لمّح له ولأمثاله من أصحاب (فتاوى الزور): (كم كانت فرحتنا كبيرة واستبشارنا عظيما حين استيقظنا ذات صباح من جانفي 2011 ووجدنا الشعب المصري العظيم قد توحّدت مطالبه وتراصّت صفوفه فخرج في مظاهرات مليونية إلى الشوارع والميادين مصمّما على اقتلاع أصل الداء ومصدر البلاء، وهو نظام الحكم الفاسد الذي حوّل أرض الكنانة وشعبها العظيم إلى بلد منفّذا لسياسة الولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة وفي مقدّمتها حماية الكيان الإسرائيلي، وعليه فلا غرور أن يصف ساسة دولة الكيان الإسرائيلي وإعلامه هذا الرئيس ونظامه الفاسد بأنه كنز استراتيجي نادر. وبالتصميم النّافد وبالإرادة الفولاذية والتضحيات الجسيمة وتقديم الشهداء سقط نظام الخائن وتنفّس الشعب المصري الصُّعداء وأزاح كابوسا ثقيلا ظلّ جاثما على صدره لمدّة ثلاثين سنة وبدأ في بناء تجربته الديمقراطية الوليدة، لكنها كانت تجربة واعدة ومؤذنة ببداية التغيير الشامل في المنطقة، بل في العالم العربي والإسلامي كلّه لما لمصر من الموقع الاستراتيجي والدور المحوري والريادة الثقافية في محيطها العربي الإسلامي. لكن هذه التجربة الوليدة كانت عدّة مخاطر تهدّدها وتتربّص بها ولا تريد لها أن تحقّق النتائج المرجوة منها، وفي مقدّمة تلك المخاطر فلول النّظام الفاسد وامتداده في دوائر الدولة أو ما اصطلح على تسميته بالدولة العميقة من إدارة وشرطة وقضاء وجيش التي بقيت وفية للنّظام السابق وراحت تتحيّن الفرص وتتكتّل فيما بينها وتتصيّد الأخطاء وتضخّمها، مستعينة في ذلك بلوبي إعلامي ضخم أعلن عداءه السافر للتجربة الديمقراطية الوليدة، وهذا كلّه على أهمّيته ليس هو مُرادي وإنما مرادي هو تلك المؤسسات والهيئات الإسلامية، وكذا الشخصيات الدينية المرموقة التي كانت حربا على الشعوب ودعما للاستبداد وتأييدا للدكتاتورية، في حين كان الواجب يملي عليها أن تكون في مقدّمة صفوف الشعب الكريم المطالب بالحرّية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فهذا الأزهر الشريف الذي كان تاريخيا هو منطلق الثورات وكان شيوخه الكرام رموز مقاومة الظلم والطغيان، كيف لا وهو موئل الثقافة الإسلامية وحصن المعرفة الدينية، والإسلام كان وما يزال ثورة لتحرير النّاس جميعا من عبادة العباد والكفر بكلّ الطواغيت والرفض لكلّ ألوان الظلم. لكن الأزهر الشريف الذي دجّنته الأنظمة المتعاقبة، والتي اجتهدت في ترويض شيوخه بالترغيب والترهيب، ومن أبى منهم فلهم الطرد والتشريد، أصبح شيخه الأكبر يصطفّ مع الدكتاتورية ويقف مناهضا للثورة ومناقضا لتطلّعات الجماهير، ولكَم كان المنظر مخزيا والمشهد مقزّزا أن نرى شيخ الأزهر على يمين قائد الانقلاب على الشعب وشرعيته والثورة وأهدافها يضفي على تصرّفه الشرعية الدينية ويُفتيه بأن هذا الذي يفعله لا يمانع منه الدين ولا تخطره الشريعة، وأقبح منه قول المفتي (فضّ اللّه فاه) بأن المعارضين للانقلابات خوارج يجب قتلهم والتخلّص منهم، مستشهدا على ذلك بأحاديث صحيحة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لكنه وضعها في غير موضعها فحرّف الكلِم عن مواضعه وأرضى المخلوق في سخط الخالق سبحانه وتعالى. لكن عجبي الأكبر من حزب سياسي يزعم أن مرجعيته الإسلام بفهم السلف الصالح ومع ذلك يضع يده في يد الانقلابيين ويشدّ أزرهم ويروّج لمشروعهم وذلك لأن قراره ليس بيده، فلطالما أنه ومن المفارقات العجيبة في هذا الزمن أن فهم السلف الصالح تحتكره مجموعة من المشايخ هم بدورهم مرتبطون سياسيا بدولة تضخّ الأموال الطائلة، وبما أن هذه الدولة لا يقوم نظام الحكم فيها على الشرعية الشعبية ولا على طريقة الانتخابات فالسلفية والسلف الصالح يتحوّلون إلى أعداء للانتخابات، فهي من أفظع البدع وهي من أعمال الكفّار التي أمرنا بمخالفتهم، وأن الشعب ليس هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار من يحكمه ولا في رسم معالم السياسة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي يسير عليها المجتمع. والغريب أن هذه الدولة التي تضخّ الأموال الطائلة للانقلابيين بدعوى المحافظة على الاستقرار في بلاد الكنانة، وتلزم مواليها من السلفيين باتّخاذ نفس الموقف هي ذاتها التي تضخّ مثلها من الأموال أو أكثر لتدمير بلاد الشام، ولك أخي القارئ أن تلغي عقلك لتستطيع فكّ ألغاز هذه السياسة الهوجاء وتحاول أن تفهم حقيقة هذه الكيانات السياسية المرتبطة بها، والتي تتحرّك بإيعاز منها ولا تملك من أمرها أو مواقفها شيئا ثمّ تصدر لنا هذا كلّه باسم السلفية. ومن حقّك أخي القارئ عليّ أن تسأل ما دامت الحرب مشتعلة بين الأزهر والسلفية، فما الذي يجمع هؤلاء في صفّ واحد ويجعل موقفهما واحدا من الشرعية في مصر؟ وأريحك بالقول إن كليهما لا يملك موقفه، بل هو عبد مأمور وقلم مأجور لإصدار فتوى الزور، ولا يسعنا إلاّ أن نقول لهذا الإسلام المأجور إن الدنيا تدور).