لم تقتصر أثار الهزيمة الثقيلة للمنتخب المصري لكرة القدم في غانا أوّل أمس على مباراة ذهاب التصفيات النّهائية المؤهّلة إلى كأس العالم على كونها حدثا رياضيا تنافسيا يحتمل الفوز والخسارة، بل أخذت أبعادا سياسية وانقساما حادّا على وقع تداعيات الأزمة التي تعيشها البلاد عقب الانقلاب العسكري. فجّرت الهزيمة طاقات السخرية والنكتة التي يتميّز بها المصريون ففاضت طوفانا على مواقع التواصل الاجتماعي (الفايس بوك) و(تويتر) و(الهاشتاغ) لحظة بلحظة بعد دقائق من هدف غانا الثاني، ثمّ الثالث فالرابع وحتى الهدف السادس الأخير. ومع كلّ هدف تزداد التعليقات وتعدّت الحديث الرياضي لتربطه بالواقع السياسي بكلّ مفرداته وأشخاصه، وبلغ الأمر ذروته بمعركة من معلّقين يتّهمون الساخرين بعدم الوطنية رغم كونهم مصريين مثلهم، لكنها بدت وكأنها تجسيد لأغنية علي الحجّار (إنتو شعب وإحنا شعب). ومن يتابع التعليقات ويحاول تصنيفها يجد أن تسييس المباراة جاء مبكّرا وقبل انطلاقها، فوزير الرياضة المصري طاهر أبو زيد -وهو لاعب كرة قدم سابق- استبقها بتصريح قال فيه (إن فوز منتخبنا على مباراة غانا سيكون انتصارا رياضيا بطعم السياسة). وفي التوقيت الاستباقي نفسه نُسب إلى معارضي الانقلاب تعليقات يتمنّون فيها هزيمة المنتخب، ومن ثَمّ بدت الآمال بنصر كروي وطني محلّ انقسام محلّي بين فصيلين للمرّة الأولى في تاريخ الكرة المصرية، وهو ما يعد سابقة لم تشهدها مصر أو أيّ دولة في العالم في تاريخها الرياضي. وبقراءة عيّنة من التعليقات التي سبقت المباراة نجد عبارات مثل (لو اتفضحنا بكرة مش هيزعل غير شعب السيسي وعلي الحجار، يارب نكد عليهم في العيد بحق جاه النبي)، وآخر يقول (لديّ يقين أنه لو دخل المنتخب كأس العالم سوف تنزل النّاس إلى الشوارع وتحتفل بالسيسي ويغنّوا تسلم الأيادي). وتعليق أكثر حدة يقول (لأوّل مرّة أتمنّى أن تفوز غانا على مصر علشان تنكسر شوكة الانقلابيين واستغلالهم المادي عند الفوز، ولأن غانا بلد مسلم ونحن بلد يقتل ويعتقل المسلم)، ونقرأ أيضا (إلى من يتمنّى هزيمة منتخب مصر.. إيه كمّية الحقد والغلّ اللّي في قلوبكم على مصر دي؟ ربّنا انصر مصر وشعبها وجيشها). كما علّق البعض بسخرية على أن (كلّ ما يتمنّاه الإخوان يأتي بنتيجة عكسية، شجّعوا غانا يمكن مصر تكسب)، وثالث قال (يا ربّ المنتخب يكسب عشان ربنا ينكد ع الإخوان الفشلة أكثر وأكثر). هكذا بدت حالة الانقسام على مواقع التواصل رشقا بالعبارات من العيار الثقيل قبل المباراة، لكنها أخذت بعدا موغلا في السخرية والتهكّم بعدها، وإن لم تخل من طعم المرارة والإسقاطات السياسية الصريحة، واستقطبت الحالة سيلا جديدا من التعليقات ليس فقط من المصريين بل من العرب حول العالم. ومن بين تلك التعليقات يجد المتابع أن أكثرها يصبّ في انتقاد العسكر والانقلاب وقائده الفريق السيسي الذي نال نصيب الأسد، فمنها (السيسي بعد الهزيمة: أدعو الشعب المصري إلى منحي تفويضا للنزول إلى الملعب في مباراة الإياب لمحاربة الإرهاب الغاني)، وآخر يقول (ما تزعلوش على هزيمة الفريق القومي، أصل البلد فيها فريق واحد هو الفريق السيسي). أمّا شارة رابعة الشهيرة فكان لها نصيب أيضا، حيث نقرأ في أحد التعليقات (مؤيّدو الانقلاب جنّ جنونهم بعد تسجيل الهدف الرّابع وبقوا ينتظرون الهدف الخامس بفارغ الصبر حتى لا تكون نتيجة المباراة رابعة). وفي إسقاط على فضّ الاحتجاجات السلمية بالقوة من قِبل الجيش والشرطة جاء في أحد التعليقات (حارس مصر يهتف عند كلّ هجمة غانية: سلمية سلمية سلمية). أمّا فتوى القتل الشهيرة التي أطلقها مفتي مصر الأسبق علي جمعة فلم تكن بعيدة عن التعليقات والإسقاطات، ومنها على سبيل المثال تعليق يقول (مفتي غانا السابق يقول لفريق بلاده قبيل المباراة: اضرب في المليان).