مازال بعض (الحقوقيين) يردّدون أسطوانة يقولون فيها إن الإعدام مناف لحقوق الإنسان، ويبدو المحامي الشهير فاروق قسنطيني أبرز هؤلاء المنادين بإسقاط عقوبة الإعدام من التشريع الجزائري أو على الأقلّ إعادة إجراء أو فتح نقاش حولها على الرغم من أن المسألة مفصول فيها بشكل مطلق منذ أكثر من 14 قرنا، حيث أقرّ اللّه وهو رحيم بعباده عقوبة الإعدام جزاء لمن تسوّل له نفسه ارتكاب جرائم معيّنة، وفي ذلك حكمة كبيرة و(حياة للمجتمع)، حسب ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتّقون}. فرغم أن حكم الإعدام حدّدته الشريعة الإسلامية بضوابط دقيقة وجعلته حلاّ سحريا لمواجهة الإجرام في المجتمع وحماية أفراده من القتلة والمجرمين الذين لا ينفّذ فيهم حكم الإعدام إلاّ بعد إثبات التهمة عليهم، إلاّ أن بعض بني جلدتنا مازالوا يرافعون لإلغاء (القرار الإلهي) وكأننا نعيش في دولة (لا دينية) يمكن للاجتهاد البشري أن يحلّ وفق رؤية أهلها محلّ القانون الإلهي الذي لا يقبل النقاش. الرّاحل شيبان: "من يطالب بإلغاء الإعدام مرتدّ"! الشيخ الرّاحل عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين السابق، رحمة اللّه عليه، كان قد اعتبر مطالبة بعض الحقوقيين بإلغاء حكم الإعدام ارتدادا عن الدين وخروجا عن الملّة، مبديا تأسّفه الكبير على تنظيم الجزائر لملتقيات تناقش إلغاء حكم من أحكام شرع اللّه. أكّدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في بيان أصدرته أيّام الرّاحل شيبان موقفها الرّافض لإلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجزائري، وجاء في البيان أن الجمعية (ترى في هذا المسعى محاولة للقفز على إرادة الشعب الجزائري المسلم الذي لا يبغي عن الإسلام بديلا)، كما رأت في المطلب الذي أصبح يتبنّاه عدد من الحقوقيين الجزائريين وعلى رأسهم هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان (تجاوزا للدستور الجزائري الذي ينصّ في مادته الثانية على أن الإسلام دين الدولة). ورأت الجمعية في البيان الموقّع باسم الشيخ الرّاحل عبد الرحمن شيبان ما ينادي به مسؤولو الجمعيات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان من إلغاء حكم القصاص المنصوص عليه في كتاب اللّه وسنة رسوله (تقليدا لجهات أجنبية وانسياقا وراء دعوات لهيئات دولية أثبتت الأيّام عجزها عن مجرّد إدانة الجرائم البشعة المرتكبة في حقّ الشعب الفلسطيني في غزّة). وحسب الشيخ الرّاحل شيبان فإن تحجّج هؤلاء بأن إلغاء عقوبة الإعدام يتعلّق بالقانون الوضعي الذي تطبّقه الجزائر ولا دخل لذلك مع الشريعة الإسلامية يعدّ مناورة والتفافا عن الموضوع، حيث رمى بالردّة والخروج عن الملّة كلّ من ينادي بهذا المطلب، والردّة تمنع من أن يدفن صاحبها في مقابر المسلمين، حسب بيان الجمعية. وقد تأسّف الشيخ شيبان حينها كثيرا على تنظيم الجزائر لملتقيات وندوات لمناقشة هذه القضية، مع إقصاء جمعية العلماء المسلمين من المشاركة فيها رغم أن القضية من صميم رسالتها منذ أن أنشأها العلاّمة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه اللّه. حكم ضروري أثار حكم الإعدام الصادر عن محكمة جنايات قسنطينة في جويلية الماضي ضد كلّ من أمين قواسم (38 سنة) وحمزة أوبيري (21 سنة) اللذين اختطفا وقتلا الطفلين هارون بودايرة (10 سنوات) وإبراهيم حشيش (09 سنوات) ردود أفعال قوية في الشارع القسنطيني خاصّة والجزائري عموما، حيث أعرب المواطنون عن شعورهم بالارتياح لهذا الحكم الذي اعتبروه استجابة لمطلب العامّة وتنفيذا للعدالة الحقّة. وقد هزّت حادثة مقتل الطفلين هارون وإبراهيم شهر مارس الماضي الرّأي العام الجزائري والطبقة السياسية والمجتمع المدني في البلاد، حيث ارتفعت أصوات تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي هذه الجرائم ضد الأطفال، فيما طالب خطباء الجمعة في مساجد عدّة بتطبيق القصاص على المتورّطين في هذه الجرائم. ورأى عدد من الحقوقيين أن الحكم بالإعدام في قضية قتل الطفلين هارون وإبراهيم يأتي تنفيذا لسلطة القانون، كما وصفوه ب (الحكم العادل الذي يعتبر في مستوى بشاعة الجريمة)، مشيرين إلى أنه (حتى وإن لم ينفّذ باعتباره قرارا سياسيا إلاّ أن مجرّد النّطق به سيشكّل رادعا قويا من شأنه تقليل ظاهرة اختطاف وقتل الأبرياء التي انتشرت بشكل مرعب في الفترة الأخيرة). مطلب الأغلبية يرى رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير البحث البروفيسور مصطفى خيّاطي أن التطوّرات الحالية على العموم تسير نحو إلغاء حكم الإعدام، (ونحن كنشطاء مجتمع مدني مع ذلك)، إلاّ أن حالات مثل قضية اغتيال الطفلين هارون وإبراهيم ونظرا لبشاعتها جعلت طلب الحكم بإعدام مرتكبي الجريمة يكاد يكون تلقائيا على المستوى الوطني لأنه الحلّ الوحيد لإطفاء غضب عائلتي الضحّيتين ومعهما ملايين الجزائريين الذين تأثروا بشدّة جرّاء ما حدث، بالإضافة إلى ردع هذا النّوع من الجرائم الذي تكرّر بشكل ملفت في الفترة الأخيرة، والذي راح ضحّيته عدد من أطفالنا. وقال خيّاطي: (حتى في حال عدم تطبيق حكم الإعدام فإن مجرّد النّطق به سيكون كفيلا بردع كلّ من تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذا الفعل الشنيع، وهو ما يفسّر مطالبتنا بإصدار أحكام قاسية وصارمة في هذه القضية لا تخضع للعفو)، وأضاف أنه (في حال تطبيق حكم الإعدام فعليا وهو احتمال قائم - يقول - بالنّظر إلى الضغط الشعبي واستجابة لمطلب ملايين الجزائريين بالقصاص فإن ذلك سيكون عبرة ودرسا لكلّ من يستخفّ بمثل هذه البشاعة). وأوضح البروفيسور خيّاطي: (كنّا نطالب منذ زمن طويل بالصرامة في هذه الأمور، ورغم التوجّه العالمي بإلغاء الإعدام إلاّ أنه في مثل هذه الحالات الخاصّة فإن احترام الديمقراطية يفرض علينا الخضوع لمطلب الأغلبية بتنفيذ حكم الإعدام). نقاش حادّ يشار إلى أن نقاشا حادّا ساد مع بداية العام الحالي بخصوص عقوبة الإعدام مع مطالبة أطراف سياسية وفعاليات في المجتمع المدني بضرورة (القصاص) في كلّ جرائم القتل التي تطال الأبرياء لوقف نزيف الاختطاف والقتل الذي استهدف في الأشهر الماضية أطفالا في مقتبل العمر، وكلّفت الحكومة في أواخر شهر مارس من العام الحالي مصالح وزارة العدل بإعداد تقرير مفصّل حول آليات التعامل مع ظاهرة اختطاف وقتل الأطفال. وقد انبثقت عن اجتماع وزاري مجموعة عمل تضمّ ممثّلين عن قطاعات الصحّة والعدل والتربية والأسرة والرياضة ومصالح الدرك والأمن الوطنيين مهمّتها حصر الدوافع النفسية والاجتماعية وراء هذه الظاهرة واقتراح الحلول التي تضمن الوقاية والتحسيس حول هذه الظاهرة، وكذا التدابير العقابية الصارمة لمواجهتها مثلما تمّ الاتّفاق على تفعيل العمل الجواري اتجاه الأطفال والأولياء والمجتمع المدني وتكثيف دوريات مصالح الأمن في المجمّعات السكنية والساحات العمومية وحول المؤسسات التربوية مع وضع رقم أخضر للتبليغ عن الأشخاص المشتبه فيهم. للإشارة، فقد عاد رئيس اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها الأستاذ فاروق قسنطيني لينبش في حكم مفصول فيه من أحكام اللّه تعالى وهو القصاص، حين راح يدعو إلى فتح نقاش عام حول الحكم بالإعدام. قسنطيني قال في تعقيبه على التعديلات المقترحة من قبل النواب بشأن تطبيق الحكم بالإعدام في إطار النقاش العام بالمجلس الشعبي الوطني حول قانون العقوبات: (لقد قدّمنا اقتراحاتنا في هذا الشأن ونحن ندعو إلى فتح نقاش حول الحكم بالإعدام)، وحسبه فإن (النوّاب أحرار في تقديم اقتراحات ولهم بلا ريب حججهم ودوافعهم، لكن الأهمّ بالنّسبة لنا هو التوصّل إلى فتح هذا النقاش بغية إيجاد الحلّ المناسب). ومرّة أخرى سيكون موضوع الإعدام عرضة للنقاش على الرغم من أن الإسلام هو دين الدولة الجزائرية، وممّا لا شكّ فيه أن الإسلام يقرّ الإعدام، بل ويأمر به في حالات خاصّة جدّا، أمّا القول بأن الإعدام أمر مناف لحقوق الإنسان والحقّ في الحياة فمجرّد أكذوبة غربية تلقفها بعض بني جلدتنا الذين سيغيّرون رأيهم لو أن ابنا من أبنائهم تعرّض لا قدّر اللّه للقتل على يد مجرم. والسؤال المطروح هو: كيف لنا أن نراجع ونناقش حكم الإعدام واللّه تعالى يأمرنا بتنفيذه ويعتبره واجبا في حالات محدّدة؟