تتميز الاحتفالات بعيد يناير أو ينار بمنطقة الأوراس بعادات واعتقادات مازالت راسخة لدى الكثير من العائلات وكأنها لا تخشى العصرنة رغم التغيرات الكثيرة التي طرأت على المجتمع. وتتمسك الكثير من النسوة بولاية باتنة لاسيما بالمناطق الريفية والجبلية على غرار آريس ومنعة وثنية العابد وبوزينة وحتى جرمة وتاكسلانت وغيرها كلما حلت المناسبة باستحضار تقاليد ومظاهر احتفالية توارثنها عن الأمهات والجدات ولم يفرطن فيها يوما. (فالمرأة منا بالجهة تقول السيدة (زرفة.ن) من أعالي إيشمول تحرص إلى غاية الآن على أن ينال كل أفراد أسرتها كفايتهم من الطعام ليلة يناير وأن ينام الكل على شبع لأن في ذلك تفاؤل بالخير الوفير، لذا تراها تحضر أشهى المأكولات التقليدية). فمن الكسكسي بالخليع (لحم يحفظ بالملح) إلى الشخشوخة بالدجاج أو العيش (بركوكس وهو كسكسي ذي حبات خشنة يحضر بالشحم المملح القديم والحمص والفول )أو المقطعة (تشبه الرشتة لكنها تحضر أيضا بالشحم المملح القديم وبمرق أحمر كثيف وحار) تضيف المتحدثة وهي تشير إلى أن كل ربة بيت تسهر في هذه المناسبة بالذات على أن يكون طعامها شهيا ومائدتها منوعة. أما الحاجة عائشة من قرية بعلي الجبلية فتحكي كيف جرت العادة أن تزين مائدة السهرة في هذه الليلة بسبع فواكه وثمار مجففة وفي مقدمتها الرمان والتين وهو تقليد شبت عليه منذ نعومة أظافرها وهي التي يزيد عمرها اليوم عن 96 سنة. ولم تخف هذه الجدة التي لها أكثر من 30 حفيدا بأنها مازالت إلى حد الآن ترافق بعضا من كناتها وحفيداتها صبيحة اليوم الأول من يناير إلى طرف الغابة القريبة من مسكنها لجلب بعض الحشائش العطرية لتزيين مدخل المنزل والغرف تيمنا بسنة خضراء وحتى تنقل سر هذه العادة إليهن. أما عن طبق إيرشمن أو الشرشم الذي مازال يحتفظ بنكهته الخاصة في هذه المناسبة فتضيف المتحدثة بأن التقليد جرى بأن يحضر بالتمر والفول والقديد أو الخليع (لحم مملح ومجفف) وكذا الكليلة (وهي جبن تقليدي مجفف على شكل حبات متباينة الحجم) وتخلط كل هذه المحتويات بإضافة قليل من السمن ومختلف التوابل. وتؤكد الجدة عائشة بأن الاحتفالات بينار ارتبطت في هذه الجهة من الأوراس بضرورة استقبال السنة الأمازيغية الجديدة بألبسة وأفرشة وأواني جديدة كل حسب مقدرته والتخلي عن القديم منها على أن تظهر النساء والفتيات في أبهى حلة. وتستحضر العجوز عائشة عادة (أسليث نينار) أو ما يسمى بعروس ينار التي ما زالت تمارس إلى حد الآن، حيث تعمل النساء على تزيين فتاة صغيرة بالحلي وأجمل الألبسة ثم تطفن بها على الأقارب والجيران في إشارة الى الفرحة والابتهاج بهذه المناسبة السعيدة. ومن الاعتقادات الشائعة بالاحتفالات برأس السنة الأمازيغية بالأوراس هو تغيير حجارة الموقد التي تسمى بالمنطقة ب(المناصب ) وحتى الرماد الموجود تحتها صبيحة يوم الفاتح من يناير الذي يحتفل به سكان المنطقة يوم 14 جانفي. وهناك من يرمي هذه الحجارة الثلاثة في مجرى مائي دفعة واحدة في إشارة إلى التخلي عن كل ما هو قديم حسب الأستاذ محمد مرداسي وهو مهتم بالتراث الأمازيغي في حين يفضل البعض رمي حجرتين في اليوم الأول وترمى الثالثة في اليوم الثاني المصادف ل 15 جانفي فإن جاءت قرب الحجرين الأولين يكون الاعتقاد بسنة هزيلة وإن تعدتهما يكون الاعتقاد بأن السنة ستكون جيدة. ويحلو للكثيرين بمنطقة الأوراس في خضم الاحتفالات بقدوم السنة الأمازيغية الجديدة التنبؤ من خلال الطبيعة فيعمدون إلى قلب الحجارة أو ما يسمى بالمنطقة تيشقيفين والتوقع بما ستحمله السنة الجديدة من خلال ما يجدونه تحتها، فإن كان نملا صغيرا فهو النماء للأغنام والماعز وإن كان نملا كبيرا فزيادة في الأبقار. وإن وجدت حفرا صغيرة فمعنى أن هذه السنة ستتضاعف فيها حسب الاعتقاد الشائع عدد المطمورات (وهي مخابئ أو مخازن تحفر في الأرض لتخزين القمح والشعير). وتؤمن المرأة الأوراسية إيمانا راسخا بأن اليوم الثاني من شهر يناير أو 15جانفي هو يوم راحة تامة، وتعمل على أن تلتزم عائلتها بهذا التقليد فلا عمل ولا سفر ولا حتى طهي وكل الأعمال الضرورية تقوم بها قبل يوم من هذا وتمنع فيه الإعارة أيضا. وكثيرا ما يعمد الرجال في مساء اليوم الأول من يناير إلى إشعال النيران والاعتقاد في ذلك هو محاربة البرد القارس الذي يميز يناير بهذه المناطق الجبلية، في حين جرى التقليد بأن يقبل الرجال على اللعب بكرات الثلج إن صادف تساقطه الاحتفال بالمناسبة كأمنية بأن يعم الخير والغيث السنة الجديدة. وتذهب الروايات المتداولة عبر الذاكرة الجماعية بأن ينار تخفى ذات مرة من الزمن الغابر في هيئة عجوز فقيرة دقت باب امرأة من أجل الصدقة وبعد أن ردتها خائبة كانت السنة شحيحة مطرا وغلة. وتضيف الروايات بأن أهل المرأة ربطوا الحادثة بالعجوز الفقيرة وعاتبوها على تصرفها المشين وطلبوا منها الإحسان لهذه العجوز إن جاءت مرة ثانية وعملت المرأة بالنصيحة وأغدقت على المسنة في العام الموالي العطاء فجاءت السنة جيدة، وهكذا جاءت فكرة حسن التحضير بقدوم يناير حسب هذا الاعتقاد الذي مازال المسنون بالجهة يحكون قصته للصغار كلما حلت المناسبة. والملاحظ أن المميز في الاحتفالات بيناير لدى العائلات الأوراسية التي ظلت ومازالت تستقبل هذا العيد بقدسية كبيرة هو تمجيده للمرأة والأرض، فهما محوران رئيسيان فيه ورمز العطاء والنماء حسبما تقر به الأساطير الأمازيغية.