يتناول كتاب (الجالية العربية في إسبانيا) لعبد الواحد إكمير مسار الهجرة العربية إلى إسبانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم التطور العددي لأبناء الجالية، والإطار القانوني للهجرة العربية منذ انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتوزيع الجغرافي للجالية العربية. ويعتبر عبد السلام برادة أقدم مهاجر عربي في إسبانيا، وكان يمتلك محلا لمنتجات الصناعة التقليدية المغربية في إشبيلية، وتزوج من فتاة من عائلة عريقة في مدينة سيدونيا العريقة، وحافظ برادة على لباسه المغربي الذي كان يثير الإعجاب، وتمتع بشعبية كبيرة في المدينة. تدخل هجرة عبد السلام برادة إلى إسبانيا في تلك المرحلة المبكرة في إطار هجرة البرجوازية الفاسية إلى أوروبا، ومع ذلك بقي عدد المغاربة المسلمين محدودا خلال تلك الفترة مقارنة بعدد المغاربة اليهود. ولكن هجرة المسلمين تزايدت بعد فرض إسبانيا حمايتها على شمال المغرب عام 1912، وشجع القرب الجغرافي انتقال بعض التجار إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، كما ساعد القرب الجغرافي الطلبة المغاربة في الدراسة في الجامعات الإسبانية، ومن الطلبة الذين أصبح لهم شأن كبير بطل حرب الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي. وإلى جانب التجار والطلبة، كانت إسبانيا موقعا ملائما لعمال البناء والمناجم، أما الجنود المغاربة فقد كانوا بكثرة في إسبانيا واستعمل بعضهم لقمع التمردات، لكن أهم هجرة للجنود المغاربة كانت -بحسب المؤلف- مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1936، حيث انتقل ما بين سبعة آلاف إلى عشرة آلاف جندي مغربي إلى إسبانيا خلال ثلاث سنوات، وكانوا الأداة التي نجح من خلالها فرانكو في القضاء على الحكومة الشرعية. وقد عمد فرانسيسكو فرانكو إلى التقرب من المغاربة المسلمين تحت عنوان محاربة الملحدين، وبحجة أن المسيحية والإسلام يؤمنون بإله واحد، وأدى بعض شيوخ الزاوية دورا في نشر هذه الدعاية، وأصبح اسم فرانكو يذكر في المساجد بكثير من التبجيل. لكن إسبانيا بعد الحرب الأهلية أصبحت معزولة دوليا، ولذلك عمد فرانكو إلى فك هذه العزلة من خلال التقرب من الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص، ودعم التعاون الثقافي مع الدول العربية، وخلال هذه المرحلة بدأت إسبانيا توجيه الدعوات للزعماء العرب لزيارتها، وكانت زيارة الملك الأردني عبد الله الأول عام 1949 انتصارا لسياستها العربية. وقد أدت هذه العلاقة المميزة لوصول طلبة مشارقة من بلاد الشام، ثم ارتفعت هجرة السوريين بشكل خاص بعد أحداث حماة في ثمانينيات القرن الماضي، على أن أكبر الهجرات العربية إلى إسبانيا حدثت بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986، فقد وصل عددها عام 2011 إلى نحو ستة ملايين بنسبة 12% من عدد السكان. وأمام هذا الزحف البشري الهائل كان لزاما إصدار قوانين خاصة بالهجرة، لكن هذه القوانين لم تمنع الهجرة السرية التي بدأت عام 1988، وعلى غرار الهجرة القانونية ينتمي المهاجرون السريون إلى شمال المغرب. يقول المؤلف إن السواد الأعظم من الجالية العربية تمركز في أربعة أقاليم: مدريد، كتالونيا، فالينسيا، الأندلس، ويعود سبب التمركز في الإقليمين الأولين إلى فرص العمل المتوفرة خصوصا في البناء والأشغال المنزلية، وسبب التمركز في الإقليمين الآخرين هو فرص العمل التي يوفرها قطاعا السياحة والفلاحة. وعلى امتداد تسعينيات القرن العشرين احتل المغاربة المرتبة الأولى من بين الأجانب، وفي ما يتعلق بالنشاط المهني يسجل لدى الجالية العربية أعلى نسبة من اليد العاملة، كما أدى استقرارهم في المناطق القروية إلى العمل في الفلاحة. والرفض للأجانب في إسبانيا هو بمستويات كثيرة، لكن مع العرب يحضر -كما يقول المؤلف- وزن التاريخ والدين والثقافة، والسبب في ذلك هو ظاهرة معقدة ومركبة نجدها في المجتمع الإسباني دون غيره من المجتمعات الغربية، ألا وهي الموروفوبيا التي يتأكد منها أن قضية الأندلس انتهت من الناحية الكرونولوجية، لكن من الناحية العاطفية والنفسية ما زالت مستمرة. غير أن جذور الموروفوبيا لا تعود إلى المرحلة الأندلسية فحسب كما يؤكد المؤلف، بل لها علاقة أيضا بمجموعة من الأحداث بعضها دموي عرفته العلاقات الإسبانية المغربية.