ضمت ارض الجزائر الطاهرة رفاة الشيخين الطاهرين سيدي الهواري بوهران وسيدي بومدين في ثرى تلمسان والاخير وافته المنية عندما عاد من فلسطينوالقدس.وبأسمائهما إقترن الاسم الثوري للقائد الراحل هواري بومدين وزفرة غضبه بمقولة مخلدة'' الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.'' ورمزية بجهادهم وحضوتهم في الذاكرة التاريخية للامة وجهاد المسلمين وارتباطهما بالقدس في مواجهة الصليبيين، نعيد بيوم العلم إعداد هذا الملف التاريخي مذكرين أنه. في يوم الخميس 16 أفريل 2009 عاد الغزاة ، لا بصلبانهم، بل في جموع من شذاذ الآفاق اليهود، الى حيث كان يجد المغاربة العرب في كل أقطار المغرب العربي حضورهم التأريخي المشترك مع المشارقة العرب من اهل فلسطين في مواجهة تهويد القدس، والقضاء على ما تبقى من حائط البراق او ''باب المغاربة.'' لذا لابد من وقفة للذكرى بيوم العلم أين يحتفي به اهلنا في الجزائر علما وثقافة وذكرى، ويطلق عليه أهلنا في فلسطين نداء استغاثة بيوم سموه '' اليوم الاسود''، فلا مغيث لهم يا أبا الغيث سيدي بومدين. حائط البراق أم حائط المبكى وخرافة الهيكل: جزء من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك سمي بحائط البراق، نسبة '' للبراق '' الذي حمل الرسول الكريم ص ليلة الإسراء، حيث أثبتت المصادر أن النبي ص ربط براقه في حجر من حجارة هذا الباب، عند باب البراق السفلي والذي ما زالت معالمه واضحة حتى اليوم، وقد أغلق هذا الباب مع أبواب سفلية عديدة من المسجد في زمن صلاح الدين الأيوبي، ويبلغ طوله 156 قدما وارتفاعه 56 قدما، وهو مبني من حجارة ضخمة من أسفله وتعلوه أنماط من البناء والحجارة لفترات اسلامية متعاقبة. وفي ناحية العلوية الجنوبية باب مفتوح إشتهر باسم ''باب المغاربة''، وهو صغير الحجم وبني على الطراز العثماني. أولى هجرات المغاربة هم من المغرب الاوسط من الجزائر، ممن رافقوا جوهر الصقلي والفاطميين الى القاهرة ومنها الى القدس، حيث أنشأوا أوقافا لهم. هجرة للعلم والحج والجهاد: ''حارة المغاربة'' أو ''حي المغاربة'' أو '' باب المغاربة'' مسميات لمقصد واحد بالقدس الشريف. باتت حارة معروفة في جنوب شرق البلدة القديمة لمدينة القدس بجوار حائط البراق. هذا الحي هو رمز لتعلق المغاربة ببيت المقدس الشريف؛ فعند توجههم إلى بلاد الحجاز، إما لفريضة الحج أو المجاورة أو لطلب العلم أو للتجارة، كانوا يمرون بالشام، للتبرك بمسرى الرسول عليه الصلاة والسلام. كان المغاربة يقصدونه كذلك طلبا للعلم، كما أن الكثير من أعلام المغرب أقاموا هناك لبضع سنوات، كأمثال الشيخ سيدي صالح حرازم المتوفي بفاس أواسط القرن السادس و الشيخ المقري التلمساني صاحب كتاب ''نفح الطيب.'' ومن كثرة استقرار المغاربة بالقدس الشريف، أن ابن بطوطة عند عودته من رحلته لقي ببيت المقدس ''شيخ المغاربة بالقدس'' المدعو طلحة العبد الوادي. من هناك مروا وسوف ينساهم تاريخ القدس: ويعد أبو محمد صالح بن محمد بن عبد الله بن حِرْزِهِم من أهل القرن 6ه12/م ممن زاروا القدس الشريف؛ كان قد رحل إلى المشرق وانقطع مدة بالشام، فلقي هناك الإمام أبا حامد الغزالي، ... حدثوا عنه أنه لما زار بيت المقدس انقطع بقرية قريبة منه، فقدمه أهل القرية للصلاة يؤم بهم في مسجد تلك القرية. وقف اسلامي مغاربي مغتصب : واعترافا بجهود المغاربة في جهادهم في الحروب الصليبية، يقول مجير الدين الحنبلي: وَقَفَ الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي هذه البقعة على المغاربة سنة 583ه1193/م. ومنذئذ والحي يسمى بحي أو حارة المغاربة. وكان يضم -بالإضافة إلى المنازل- العديد من المرافق، ك''المدرسة الأفضلية'' التي بناها الملك الأفضل صلاح الدين الأيوبي وسميت باسمه. دونت وثيقة الوقف لأول مرة سنة 666ه 1267 /م وأعيد تدوينها في عام 1004ه1595/م. وقد رأيت صورة لهذه الوقفية في كتاب '' المنهل الصافي في الوقف وأحكامه والوثائق التاريخية والحقوق الوقفية الإسلامية في فلسطين'' للشيخ محمد أسعد الإمام الحسيني ، طباعة القدس 1982 وقد أهداني المؤلف نسخة من كتابه خلال زيارتي للقدس الشريف صيف 1993 يقول المؤلف: إنه حصل المؤلف على الوثيقة من المحكمة الشرعية بالقدس ، وهي عبارة عن وقف حارة المغاربة كاملة للجالية المغربية وقد أوقفها السلطان الملك الأفضل نور الدين بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي رحمهما الله على جميع طائفة المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفتهم ذكورهم وإناثهم كبيرهم وصغيرهم فاضلهم ومفضولهم ليسكنوا في مساكنها وينتفعوا بمرافقها على قدر طبقاتهم ما يراه الناظر عليهم'' وفي الكتاب وثيقة ثانية للمغاربة يرجع تاريخها إلى 29 رمضان سنة 720 ولم يعرف من واقفها وهي قرية عين كارم بأكملها خلا المسجد وطريق المسلمين ومقبرة البلدة، و عين كارم من أشهر قرى القدسالغربية وفيها من العيون ومصادر المياه والأشجار المزروعة والثمار والعنب وغير ذلك من موارد العيش الكريم والطريف في هذه الوثيقة ما جاء فيها من حق المغاربة في الاستفادة من القرية ومواردها فإذا انقرضوا فلغيرهم، تقول الوقفية : فإذا انقرضت المغاربة ولم يوجد منهم أحد مقيما بالقدس الشريف سواء أكان ذكرا أو أنثى فيرجع وقفا على من يوجد من المغاربة في مكة المشرفة زادها الله شرفا وعلى من يوجد منهم بالمدينةالمنورة ، وإن لم يوجد أحد منهم في الحرمين الشريفين فيرجع وقفا على الحرمين الشريفين. أبو مدين شعيب وحبوسه المقدسية: وقد عمل المغاربة على صيانة هذا الوقف وتنميته، باقتناء العقارات المجاورة له وتحبيسها وتعميرها مثل إقامة ''جامع المغاربة.'' يعد أبو مدين شعيب 594 ه1197/م من عرف بتحبيسه بمدينة القدس الشريف؛ فقد وقف قرية ''عين كارم'' بضواحي القدس، وقرية ''إيوان'' التي تقع داخل المدينة العتيقة ويحدها شرقا حائط البراق. من أشهر القرى التي تم وقفها وقفاُ كاملاُ وصحيحاُ على هذه الحارة و سكانها قرية ''عين كارم''، وهي من أشهر قرى القدسالغربية، وفيها من العيون ومصادر المياه والأشجار المزروعة والثمار والعنب. وكل حق يعود لهذه القرية يكون لصالح هذا الوقف. كما أوقف أبو مدين سكنا للواردين الذكور من المغاربة، وليس المقيمين، ومحلات وغيرها، وجعل عائدات هذا الوقف خالصة لأهل هذا الحي وجعل شروطاً واضحة البينة لمن تكون له نظارة هذا الوقف، و شروطاً كذلك في طريقة التوزيع والمستفيدين. وعلى هذا المنوال عرفت وازدادت الأوقاف التي أنشئت عند ذلك الباب، للمغاربة ، في القرن الثاني للميلاد سنة 909/ 296 ، حيث تزايدت أعداد المغاربة عند هذا الحائط خاصة بعد تحرير القدس على يد صلاح الدين الايوبي سنة 583 ه1187/ م ، رغبة منهم في مجاورة المسجد الاقصى و القيام على خدمته. ولهذا '' قام الأفضل نور الدين بن صلاح الدين الأيوبي بوقف تلك البقعة من الأرض لهم، على اختلاف أجناسهم، ذكورهم وإناثهم'' ، وكان الوقف أيام سلطنته على دمشق، وكانت القدس تابعة لسلطنته . كُتب محضر بالوقف لكل جهة ، وثبت مضمونه لدى حكام الشرع الشريف، بعد وفاة الواقف، ودونت هذه الوثيقة لأول مرة سنة 666 ه 1267 /م ، وأعيد تدوينها في عام1004 ه1595/م. معالم مغاربية واسلامية لم يبق منها أثر: في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكي أنشأ أحد علماء المغاربة وسكان حارتها واسمه عمر بن عبد النبي المغربي المصمودي وقفية جديدة على زاويته التي أنشأها في حارة المغاربة بتاريخ3 /ربيع أول 703/ه 1303/م وتوالت بعدها أوقاف المغاربة في هذا الحي المسلوب وأهمها'' - متوضأ حارة المغاربة - المدرسة الأفضلية - الباب اليماني - قبل الهجرة بسنة621/م - باب سلوان - باب حارة المغاربة - مقام ومسجد الشيخ عيد - دار مجير الدين عبد الرحمن العليمي - باب المغاربة من داخل السور - باب المغاربة في المسجد الأقصى بعدها ب 17 سنة، أنشأ حفيد أبي مدين شعيب- بن أبي عبد الله محمد بن أبي مدين أوقافاً جديدة على زاوية أخرى في حارة المغاربة ، وسمّاها بزاوية أبي مدين الغوث. وكان تاريخ وقفها في 29 رمضان سنة 720 ه1320/م ، وبمرور الزمن اشتهر وقف أبي مدين الغوث حتى عُرفت الأرض التي أوقفها الملك الأفضل ''حارة المغاربة '' ، وفيما بعد سميت تجاوزاً بوقف أبي مدين . أول من سمح لبعض المهاجرين من اليهود الإقامة في مدينة القدس هو السلطان صلاح الين الأيوبي في عام 583ه 1187/م عطفاً عليهم ثم وصلت جماعات منهم قادمة من إسبانيا بعد طردهم منها في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي فتجاوروا مع المغاربة بحكم قرب الصلات الثقافية للمغرب العربي والاندلس والتعايش المشترك بين المسلمين واليهود في بلدان المغرب العربي والاندلس. التآمر على التاريخ والحضارة: دفع الفضول اليهود للمرور عند ''باب المغاربة'' وحائط البراق على مر القرون لكنهم استغلوا تواطؤ السلطات البريطانية ممثلة باطلب القنصل البريطاني في القدس عام 1839 من حاكم القدس العثماني ابراهيم باشا الذي سمح لهم تبليط ساحة البراق على نفقة ثري يهودي. وللأسف سمح المسلمون لهم التوقف هناك بحجة البكاء على هيكل مزعوم لسيدنا سليمان. ومع إحتلال بريطانيا لفلسطين وسيطرتها على المسجد الأقصى المبارك حاولت منذ عام 1917م جعل هذا المكان مكان خلاف بين المسلمين و اليهود، واستغلت الصهيونية العالمية هذا الوضع فأوفدت بعثة صهيونية برئاسة وايزمن من أجل تملك الزقاق المؤدي إلى حائط البراق، ومساكن المغاربة المجاورة له لصالح اليهود ، حيث عرض وايزمن دفع مبلغ 7500 جنيه على سبيل التعويض، ولتأمين مساكن جديدة لسكان المنطقة من المغاربة ثم تقدم ستورس بالعرض إلى مفتي القدس آنذاك المرحوم كامل الحسيني ، فكان رد المفتي بما يلي -: لا يستطيع أي إنسان أن يتصرف بأملاك الوقف بأي مبلغ مهما كان حتى ولو كان مسلماً ، فكيف إذا كان الطالب يهودياً ، ونحن نعرف أهدافهم لإمتلاك الحائط وما في جواره. هرتزل: سأهدم كل ما ليس يهوديا في القدس: وفي عام 1967 ضم الصهاينة القدس الى دولة الكيان الصهيوني وبدأوا تحقيق وصية هرتزل قبل 150 عاما :لو عشت حتى قيام الدولة اليهودية فسأهدم كل ما ليس يهوديا في القدس. فبدأت الحفريات التي غلفت جميع مراحلها بحجة التنقيب عن الآثار ''لأهداف علمية أثرية'' وتحت عنوان ''إستكشاف إسرائيل أو فلسطين القديمة أو البحث عن الآثار.'' كانت حارة المغاربة قبل عام 1967 عامرة بالأسواق والمحلات والبيوت والمساجد والزوايا والمدارس والأبنية والدور العديدة وكان أكثرها موقوفا للفقراء والمساكين، وكانت الحارة ملاصقة لحائط البراق، ولما احتل اليهود القدس أزالوا هذا الحي عن بكرة أبيه وجعلوه ساحة كبيرة تطل على حائط البراق أو ما يسمونه ''حائط المبكى'' في شهر يونيو 1967, صادر الاحتلال الاسرائيلي حي المغاربة، وفي اليوم العاشر من نفس الشهر قامت قوات الإحتلال بإخلاء سكانه لتُسويته بالأرض و لتقيم مكانه ساحة عموميةً تكون قبالة حائط البراق. خلال بضعة أيام، أتت جرافات العدو على 138 بناية، كما هدمت جامع البراق و جامع المغاربة. و ما لبث أن لحق نفس المصير بالمدرسة الأفضلية و والزاوية الفخرية ومقام الشيخ . هكذا، و في أيام معدودة، زالت من خارطة القدس ثمانية قرون من تعلق المغاربة بتلك الديار. العام الاسود واليوم الاسود 41 عاما من التفريط العربي بالقدس: ففي الحادي عشر من حزيران عام 1967م قاموا بهدم حارة المغاربة كلها بما فيها من بيوت وأوقاف عديدة بعد إعطاء السكان مهلة 24 ساعة، لإخلاء الحي؛ حيث تم طرد 650 عربيا منها كما تم طرد 3 آلاف عربي من حارة الشرف ، التي أطلق عليها فيما بعد ''حارة اليهود.'' وبهدم حارة المغاربة استولى اليهود على الحائط الغربي للمسجد حائط البراق - وأطلقوا عليه زوراً وبهتاناً '' حائط المبكى '' وقاموا بتوسيع الساحة الملاحقة له. ملة الكفر واحدة الخراب الحضاري: تعاونت مؤسسات عالمية، بريطانية، وأمريكية، وألمانية وفرنسية وصهيونية ومؤسسات محلية إسرائيلية على دعم هذه الحفريات ومدها بالأموال حتى أن معدل ما أنفق عليها سنويا ما يزيد على 35 مليون دولار. حارة المغاربة من أشهر الحارات الموجودة في البلدة القديمة بالقدس الشريف مساحة حارة المغاربة شغلت حارة المغاربة مساحة تقدر بخمس وأربعين ألف متر مربع ولقد ضمت الحارة عشرات المباني التي يعود تاريخ بعضها الى العصر الايوبي كان أشهرها المدرسة الافضلية، وقد بلغ عدد المباني الأثرية التي هدمتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي 135 بناءً اثرياً امتدت فوق الساحة التي اخذ اليهود يطلقون عليها فيما بعد ساحة المبكى . خلال بضعة أيام، أُزيح تماماً حَيٌّ أطلق عليه المقدسيُّون اسم ''حارة المغاربة'' كان واقفا ومكرما لِمُدة 774 عاماً.