تعتبر المنظومة الاجتماعية شبكة من العلاقات التي تحكم الأفراد وينسج من خلالها علاقات إنسانية في أوج سموها، وتستقيم الأمور بها بعد أن تشكل الروابط المتينة وفق نسق منسجم، ويطبع من خلالها سلوكات الأفراد التي تعبر عن منهج الحياة الاجتماعية التي تعزز جميع الجوانب التي تحيط بالفرد مع نظيره وبين الجماعات التي تعيش في نطاق إقليمي واحد وتجمعها المصالح الإنسانية المشتركة الهادفة، والمحافظة للتقاليد والأعراف والتي تميز مجتمع ما عن الآخر. إن الوقوف عند أهم المشاكل التي تهدد المنظومة الاجتماعية المؤثرة بشكل جوهري عليها، بغض النظر عن تمزق النسيج الاجتماعي وترك النظام المتوارث عليه، إضافة إلى الانحرافات التي تؤدي إلى انزلاقات خطيرة، إلا أن أي تهاون يمس بقداسة الخلية المؤسسة للمجتمع، وهي الأسرة، فإن ذلك سيقود القاطرة المحركة إلى الحضيض، وبالتالي تزول الضوابط، وينسلخ الفرد عن مجتمعه بشكل تدريجي.. كريم. ت تطرح حاليا على بساط النقاش إشكالية واضحة تتمثل في من يتحمل مسؤولية تحديث المنظومة الاجتماعية؟ وهل التحديث يعني بالضرورة الخروج عن المألوف وبناء نمط جديد، حتى وإن تعارض الأمر مع المقومات الأساسية التي ساهمت منذ زمن بعيد في تماسك المجتمع، لاشك أن هذا التساؤل بالأهمية بمكان في نظر علماء الاجتماع، ولعل التحوّلات الجارية على البنية الأساسية والمتداخلات الكثيرة والمتنوعة التي أصبحت تؤثر بشكل ملموس على المحتوى الاجتماعي والخاصة بسلوك الأفراد والجماعات والمتمثلة في طريقة العيش، في نوعية الوسائل المستعملة والمتداولة بينهم، إضافة إلى رغبات وميول الإنسان، كون هذا الأخير الذي لم يعد يكتفي بما هو موجود بل يتعدى الأمر إلى ما تصنعه أوهامه وينسجه خياله، بل ويحول أن يتصرف بصورة آنية ظرفية، لا يهمه المستقبل، وإلى أين يتجه به؟ هذا الوضع القائم والذي ترك بصماته على نمط الحياة الاجتماعية الجديدة يستدعي بلورة مفاهيم جديدة، تأخذ بالحسبان ماهية هذا الوضع بالطريقة التي ينشدها المجتمع حاليا لرسم معالم الحياة المستقبلية. أن تعارض الأفكار بحد ذاته يشكلا جدلا كبيرا، بل يصنع تعقيدا مزدوجا، من وجهة تحديد أفق المنظومة الاجتماعية المراد تكوينها كباقي المنظومات المعروفة. الجوانب الخفية للمنظومة الاجتماعية لو عدنا إلى المسلمات والبديهيات التي تسير المجتمع وفق النمط المتعامل به في الوقت الحالي، لرأينا أن الفرد من خلال القراءة التحليلية لهذه الرؤية الجديدة تجعلنا نتوقف عند التأثيرات والمسببات الدخيلة، التي أوشكت أن تغير معالم المنظومة الاجتماعية بشكل سريع وغير متوقع، والتي لا شك أنها جعلت الفرد الذي يشكل الجماعة محورا جوهريا في رمزية التغير الحاصل، لذا فإن التركيز على تكوين هذا الفرد، هو من الأمور التي يجب أن يطلع عليها الجميع، من خلال اضطلاعهم للمسؤوليات المنوطة بهم، كل واحد حسب تخصصه، وحسب مستواه الفكري والعقلي، كون أن موضع التكوين من خلال الجوانب التربوية والأدبية وغيرها، ليس بالبساطة التي يراها الإنسان بالطريقة البسيطة، بل وراء كل ذلك جوانب خفية تحدد المواقف الأساسية سواء السلوكية أو الانطباعية، وغيرها من الجوانب المؤثرة في حياة ذلك الفرد، ولعل المفاهيم التي كانت تسير العقل وتتحكم في السلوك، لم تعد بالطريقة الكلاسيكية، بسبب التحولات الناجمة عن الوضع الجديد للمجتمع الجاري تجسيده بصورة تدريجية، وهذا الوضع ليس جديدا في بنيته التكوينية، وإنما هو يتعلق بالنظرة الجديدة التي ترتسم في البصيرة، وتحوّلت بمرور الوقت على شكل سلوكيات بدأ العقل في تقبلها، ويجري حاليا التأقلم فيها، لتصنع نموذجا حديثا في قالب تحدده المتداخلات الخارجية وتصنع من غاياته الوجهة المستقبلية للنمط الاجتماعي الجديد، لذا فإن طبيعة الفرد ونظرة الجماعة لمثل هذا التصور، يبقى محور الإشكال المطروح. تأثير المتداخلات الخارجية ومسبباتها الموجهة نحو تغيير جذري للمنظومة الاجتماعية الكل يعرف بأن المجتمعات المختلفة تتأثر فيما بينها، ويحاول كل مجتمع أن يفرض طريقة تعامله مع الحياة على الآخر، وذلك بطريقة أو بأخرى، وفي هذا المنحى تبرز إلى الوجود ما اتفق عليه بالمتدخلات الخارجية والمسببات التي تحاول تغيير معالم مجتمع ما، والغاية من ذلك، الوصول إلى مراد ما أو هدف ما دون الإشارة إليه مسبقا، وتبدو النوايا عادية جدا، لكن في طياتها تجمع مصالح ذاتية، والمعروف أن هذا النوع من المحاولات بين المجتمعات ليست وليدة الزمن الحاضر، بل أن تاريخ الإنسانية حافل بمثل هذه المحطات، التي تظهر جليا رغبة الاستيلاء على مواطن الغير، والوصل إلى خيراتها، حتى إن تطلب ذلك اللجوء إلى وسائل العنف والتعسف التي عرفتها البشرية، على نطاق واسع، وفي هذا السياق نعتبر أنه من المنطق أن نعين ونحدد نوع هذه المتدخلات، ونقوم بعملية الفرز حتى لا نسقط في الهوة التي عاشها الآخرون، وأصبح مجتمعهم بين لحظة وأخرى يعاني من التمزق والتشرذم، بل أن هذه المسببات توسع مداها أن استجاب الأفراد لها بصورة آلية، والخلاصة تحتم علينا أن نعيد التفكير في جوهر العلاقات التي تجمع بين فئات المجتمع، ومحاولة تعزيز الوسائل التي تستقر عليها الأمور. انهيار وتفكك الوحدة الاجتماعية كلما كان الحديث عن المجتمع هاما وموسعا فإن التطرق إلى أساس تماسكه يأخذ بنا القول إلى التطرق إلى التركيز على الوحدة الأساسية المشكلة للنسيج الاجتماعي، وهي الأسرة التي يتم بناؤها عبر العلاقة الزوجية، فكلما كانت هذه العلاقة تطبعها الاستقامة والسلامة، كان المجتمع قويا ومتينا، كلما كان المجتمع قادرا على مواجهات كل التحديات التي يحاول الآخر فرضها بشكل أو بآخر، فالبنية الاجتماعية المبنية على الزواج السليم، يشكل اللبنة الأساسية في تكوين الفرد، وتوطيد الأخلاق في سلوك الأفراد والجماعات بشكل يحقق الأهداف المنشودة، فأي انحراف عن الخط المتفق عليه يولد نوعا من الاختلافات وحتى نوعا من التمزق سواء فكريا أو سلوكيا، ويبقى التركيز على هذه العلاقة من الأمور التي تضمن ديمومة البنية الاجتماعية في تماسكها ووجودها، حتى لا تتأثر سلبيا بما يجعلها هشة أمام التغيرات السريعة التي يشهدها العالم من لحظة إلى أخرى، لذا فإن الحفاظ على نوعية المنتوج الاجتماعي حتما سيكون له آثار إيجابية على المدى الطويل، وهو ما يجب تحقيقه من خلال الجهود المضنية الرامية لبناء ما يمكن تشييده في وقت وجيز حفاظا على المكتسبات والتقاليد البناءة دون أن ننزاح عن العصرنة المنشودة.