قدمت السيدة فيروز حفلتين كبيرتين يومي الخميس والجمعة الفائتين في قاعة مجمع البيال ببيروت في وطنها لبنان، فغنت جديدها وقديمها من ألحان نجلها زياد الرحباني في القسم الأول من الحفلة. بعد طول انقطاع وسجال ومعمعة وتظاهرات واعتصامات مجموعات «فايسبوكية» وأحكام قضائية.... عادت فيروز الى منصة الفرح والغناء، وقصد الحفلة الآلاف، في مقدّمهم النجم المصري عادل إمام (يصور فيلم «الزهايمر» في لبنان) وكثير من العرب والأجانب، من الإعلاميين والمثقفين والدبلوماسيين، ومن اللبنانيين بكل توجّهاتهم واصطفافاتهم السياسية الحادة والكالحة. هؤلاء كلّهم توحّدوا حول «أيقونة الصوت وشاعريته» التي جاءت بمجموعة من الأغاني لزياد الرحباني الذي غاب جسدياً عن الحفلة بداعي المرض. بدت فيروز هي الجامع بين الأطياف اللبنانية، لكن ما بعد الغناء الفيروزي موجة أخرى من «زجل المنابر السياسية». ملأت «سفيرتنا إلى النجوم» مركز البيال بالحب والشوق والحنين، فهي أشبه ب{التربية العاطفية» الحاضرة في الوجدان منذ أكثر من خمسة عقود مع موسيقى الأخوين رحباني وكلماتهما، وهي أكملت المسيرة مع زياد الذي وإن تمرَّد على إرث والده عاصي إلا أنه لم يخرج من النكهة الرحبانية. أن تغني فيروز، ففي ذلك شيء من «زعامة الصوت» لفنانة لا تزال خجلى، كأنها فتاة حالمة، فتاة سيّدة بصوتها. المشهد قبل ساعات من الحفلة كان مهولاً، طوابير من المعجبين والمحبين امتدت تنتظر دورها للدخول عبر بوابات القاعة الضخمة التي تتسع للآلاف، والسائرون من بداية الطريق الطويلة المؤدية الى قاعة «البيال» أكثر من السيارات المزدحمة، التي ضاقت بها المرائب. لم يحتمل الجمهور وقع انتظار الفنانة العائدة، فكان التصفيق يتعالى كلما مرت الدقائق ولم تطلّ فيروز، حتى مضى ما يقارب الساعة. وحين أطلَّ أول موسيقي راحت الصالة تضج بالهتاف. الجميع في الانتظار، وحين ظهرت فيروز على وقع مقدّمة أغنية «سلّملي عليه»، علا التصفيق من كل صوب ولم يهدأ الجمهور إلا مع بدء الغناء. الأزرق المضيء أوركسترا ضخمة بقيادة المايسترو هاروت فازليان، وقفت بينها فيروز بالأزرق المضيء وانهالت أطايب صوتها مع «سلّملي عليه» و{كيفك إنت» و{اشتقتلك» و{الله كبير». صفّق الجمهور طويلاً ل{الله كبير» و{كبيرة المزحة هي» و{قال قايل» وكلها من ألبومها الجديد متوّجة ب{إيه في أمل» في مضمونها العاطفي ودلالاتها السياسية. وتقول كلماتها: - رغم الزهر اللي متلّي الحقول - وشو ما تحكي وتشرحلي وتقول - حبيبي حبيبي - تا نرجع لأ مش معقول - عندي سنونو وعندي قرميد - وبعرف شو يعني إذا إنت بعيد - بس حبيبي إحساسي -ما عاد يرجعلي من جديد - في أمل إيه في أمل - أوقات بيطلع من ملل - وأوقات بيرجع من شي حنين - لحظات تيخفّف زعل - وبيذكّرني فيك لون شبابيك - بس ما بنسّيني اللي حصل... وتركت فيروز للكورس والجمهور يتغنون ب «بما أنو» و{عايشه وحدا بلاك» (اشتهرت بصوت الراحل جوزف صقر). وغنت ما قبل الاستراحة «يا ضيعانو شو كان مليح»، وسحرتنا ب «عودك رنان» (طقطوقة كلاسيكية). خصّت فيروز القسم الثاني من الأمسية بأغاني الأخوين رحباني والياس الرحباني، واندفع الجمهور يشاركها الغناء مع «عالطاحونه»، «قصقص ورق»، «حمرة سطيحاتك»، «أمي نامت عا بكير»، «راجح»، «طلوا الصيادين»، «يا ريت في بيت». كانت لحظات صعبة على الجمهور أن تودّعه فيروز، وكان لا بد من إعادتها الى الخشبة في الختام، لتستعيد مقطعاً من أغنية «إمي نامت عا بكير». يُذكر أن فيروز أحيت الحفلتين تزامناً مع صدور أسطوانة جديدة لها من تأليف نجلها زياد وتلحينه ومن إنتاج شركة «فيروز بروداكشنز». وتتضمن الأسطوانة الجديدة التي جاءت بعنوان «إيه في أمل» أغاني عدة من بينها: «قال قايل»، «الله كبير»، «قصة زغيري كتير»، «ايه في أمل»، «ما شاورت حالي»، «كل ما الحكي»، إضافة الى مقطوعتين موسيقيتين لزياد الرحباني هما «ديار بكر» و{تل الزعتر».