الفقر والمرض وجهان لعملة واحدة، وهي حالة يومية تطارد عائلة متكونة من ستة أفراد، بحي المدينة ببلدية خميستي الواقعة بولاية تيبازة، حيث تقطن بكوخ لا يليق بجنس البشر وسط حفرة على حافة الوادي، مما جعل الأسرة معرضة للخطر من كل الجهات، ولا قدرة لهم على الخروج من دائرة الفقر والمرض التي تحاصرهم داخل هذا الكوخ.. معاناة عائلة عدَّة غزيل المتكونة من ستة أفراد متواصلة منذ سنوات طويلة، حيث تعيش داخل غرفة مشيدة من الباربان والصفيح لا تفوق مساحتها عشرة أمتار مربعة بمركز عبور الطريق رقم 11 الواقع بحي المدينة بلدية خميسيتي بتيبازة بمحاذاة مقبرة مسيحية، ونظرا لطبيعة المكان الذي لا يصلح حتى للحيوانات وغير ملائم تماما تعرض الأب وابنتاه إلى أمراض مزمنة منها السكري والحساسية وإصابة الآخرين بتعقيدات صحية جعلت أوضاعهم الاجتماعية تزداد سوءا خاصة أثناء الاضطرابات الجوية. والجدير بالذكر أن هذه العائلة تقطن ببيت محاذٍ للوادي. أول ما دخلنا الحي واجهنا صعوبات في التنقل بعد تساقط الأمطار الأخيرة التي حوّلت الحي إلى مستنقعات وبرك من الأوحال، أما المركبات فمن المستحيل والصعب دخول هذا الحي الذي أول واجهة تقابلك هو الوادي الذي كان على أهبة الفيضان والهيجان من شدة الأمطار الغزيرة التي تساقطت، وأيضا أثناء وصولنا إلى عين المكان انتابتنا الدهشة ولم نكن نتوقع أبدا أن أزمة السكن بالجزائر بلغت ذروتها إلى هذا الحد لتدفع بمواطن جزائري إلى اللجوء لحفر وبناء بيت من القصب والبلاستيك تحت منحدر جبلي ويتخذه كمأوى يحتمي تحته رفقة أبنائه المصابين بالسكري والحساسية، والتي أجبرتهم الظروف الاجتماعية القاهرة على اقتحام وتخطي ماهو غريب ومستحيل، وفعلا أصابنا الذهول أول ما دخلنا إلى تلك الغرفة التي تشبه خيمة صيفية، الرياح والأمطار تدخل من كل جهة ناهيك عن الخطر المحدق بهم أيضا نظرا لتساقط الأحجار من أعلى المنحدر أولا وانزلاق التربة ثانيا. إنه فعلا واقع مر وعصيب وقفت عليه (أخبار اليوم)، حيث اتخذ السيد غزيل رفقة عائلته هذا المكان كمأوى له بعد أن انهيار مسكنه في كارثة 2001 واستفاد شقيقه من مسكن جديد على أساس أن يسكنا سويا ثم تنظر السلطات في وضعه هو الآخر بعد إنجاز مشروع آخر والسكن مؤقتا مع شقيقه، إلا أن هذا الأخير لم يأويه إلا سنة ثم قام بطرده بعد حصوله على عقد ملكية باسمه .. وحسب السيد عدة فإنه رغم الشكاوي والكتابات العديدة التي تقدم بها إلى السلطات المحلية إلا أنها لم تلق أي آذان صاغية. وأضاف محدثنا (أن اللجنة الاجتماعية عاينت المكان ووقفت على المعاناة التي أواجهها وقدمت لي وعودا بترحيلي إلا أن السنوات تمر وأنا لازلت في مكاني لم أبرحه ولا جديد يذكر لحد كتابة هذه الأسطر). المتحدث إلى السيد عدة يشعر بالجرح الغائر الذي يمزق كيانه والذي كان يحاول إخفاءَه، لكن الملامح وقسمات الوجه تكشف الخبايا، فالحالة المزرية والمأساوية التي وقفنا عليها من خلال زيارتنا لذلك المكان تجعلنا عاجزين عن التعبير وتجسيد الواقع المرير، وليس وحده عمي عدة الذي يتخبط في تلك الوضعية بل العديد من القاطنين هناك، ففعلا تعيش العائلات حياة بدائية بمعنى الكلمة فصورة الحياة الطبيعية منعدمة لأنها تفتقر إلى أبسط ضروريات العيش الكريم، إذ أن سكنات هذا الحي شبيهة بمغارات علي بابا وهذا التعبير ليس من نسج من الخيال أو مبالغة فيه بل الحقيقة التي تعيشها هذه العائلات المقيمة بحي المدينة الذي يحاصره المنحدر من جهة والوادي والضفاف من جهة أخرى، والشيء الذي حز في أنفسنا هو تلك الملامح البائسة المرسومة على ملامحهم التي توحي لك عن مدى عمق المعاناة التي يتخبطون فيها، وسلطنا الضوء أكثر على عائلة عدة باعتبارها أكثر المتضررين وعلى كل الجبهات أو المستويات والصورة (خير دليل).. وما يزيد ألم ويأس الوالد عدة عدم قدرته على الاعتناء بأبنائه المحرومين من أبسط الحقوق كباقي المواطنين من علاج وحياة كريمة، وفي هذا الصدد تناشد عائلة عدة المسؤولين رفع الغبن عنها والمطالبة بسكن لائق خاصة وأن كل العائلة تعاني من تعقيدات صحية وأيضا تطالب بتدخل ولد عباس للنظر في حالتها الاجتماعية المزرية خصوصا وأن رب العائلة مصاب هو الآخر بأمراض مزمنة حالت دون عمله مما أدى إلى غياب الدخل المادي والبيت المريح والصحي لهؤلاء الأبرياء. معاناة هذه العائلة لا تنتهي عند هذا الحد بل تعدَّتها لتصل إلى العيش في خوف بسبب خطر الانزلاق الذي بات يهدد حياتها خاصة أثناء الاضطرابات الجوية نظرا لموقع هذا المأوى.