لا يكاد يخلو بيت جزائري من شجارات وخصومات بين أفراده، لكن مع ذلك لا بدّ أن لا تتعدى تلك الخصومات جدران البيت، وأن تُحل بداخله وليس خارجه، فلا تنقل المشاكل إلى الغرباء من الأصدقاء والجيران وأبناء الحي أحيانا. هو ما يفعله البعض، ممن يعجزون عن حلّ مشاكلهم الشخصية في بيوتهم، فيتجهون إلى أشخاص غرباء ليقصوا عليهم تفاصيل من الحياة الأسرية، وأسراراً عائلية كذلك، ومن شأن ذلك أن يجعل الأمور تسوء أكثر فأكثر، خاصة إن منحت الثقة لمن ليس أهلا لها فلا يحفظ السر، او قد يستعملها لتهديد تلك الأسرة، او غير ذلك من الأمور التي من شانها أن تزيد الأمور تعقيدا، بل إنها قد تتسبب في جرائم واعتداءات. هذا ما حدث مع سهيلة التي وثقت في جارتها، وأخبرتها عن عجز جنسي أصيب به زوجها، وجعل حياتهما تحول إلى جحيم، فهي من جهتها ليست مرتاحة مع زوجها، وهو الآخر تغلب عليه الإحساس بالعجز والضعف، الأمر الذي عقد من الوضعية ومن نفسيته كذلك، وصار لا يحاول حتى أن يقترب من زوجته، لأنه في كل مرة يفعل ويفشل أمامها، إلاّ وازدادت حالته صعوبة، ولأنه لم يكن لديه من تبثه همومها اشتكت سهيلة لجارتها، والتي حفظت السر في البداية، لكن حادثة بسيطة جعلتها تفشي السر، ولو أنها لم تفعل ذلك عمدا، ففي يوم من الأيام تشاجرت تلك الجارة مع زوج سهيلة، فقذفها بكل الصفات، وكذلك فعلت هي، إلى أن وصفته بالعاجز، وحينها علم أنّ زوجته أفشت سرهما، فدخل البيت غاضبا ورمى عليها يمين الطلاق، فندمت سهيلة على أنها حكت لجارتها، ولو أن الندم جاء متأخرا بعدما فقدت أسرتها وتحطمت حياتها. وإذا كانت جارة سهيلة كسرت كل شيء بحمقها وجهلها، فان أخريات او آخرين يفعلون ذلك عمدا، بل يستغلون الوضع لتهديد الضحية التي ائتمنتهم على سر من أسرار الأسرة، وهو ما وقع لنادية، والتي كانت لها جارة فقيرة تشفق عليها، وتحكي لها كل ما يحدث لها في البيت مع زوجها وأبنائها، وكانت تقصّ عليها كل صغيرة وكبيرة، إلاّ أنّ تلك الصديقة المزعومة كانت تنتظر الفرصة المناسبة لتجد ما تهدد به جارتها، وفعلا فقد اخطات نادية مرة، وحكت لجارتها قصة وقعت لها في البيت لا يعلم بها اقرب المقربين منهما، وكانت سرا بينها وبين زوجها، لكنها أرادت أن تستشير جارتها فيها ففعلت، فصارت تلك الجارة تستغل نادية وتطلب منها في كل مرة نقودا، وكانت نادية تفعل شفقة عليها وليس خوفا منها، إلى أن رفضت نادية مرة أن تمدها بما طلبته منها الجارة، فلم يكن من هذه الأخيرة إلا أن هددتها بأن تفضحها، فتحولت علاقة الصداقة تلك إلى علاقة ابتزاز، وكانت الجارة في كل مرة تزداد جشعا وطمعا، ولم ينته ذلك كله إلاّ عندما مرضت، وصارت غير قادرة على النطق، فحزنت نادية لأمرها، ولكنها ارتاحت في نفس الوقت من ابتزازاتها، وفكرت في أن ما حدث لجارتها هو نهاية منطقية لمن يؤتمن على سر فيخونه، بل ويستعمله للابتزاز. صحيح أنّ الوحدة والألم يجتمعان أحيانا ويجعلان الشخص غير قادر على كتم مشاكله الخاصة، ويحتاج حينها إلى من يبثه إياها، لكن إفشاء أسرار الآسرة من الأمور التي لا بد التهاون فيها، خاصة إن كانت أسرارا تتعلق بأفراد آخرين من الأسرة، فإفشاؤها هو نوع من الخيانة.