زوجي يضربني على كل كبيرة وصغيرة ويشتمني بحجة أن "الرجال قوامون على النساء" فما الحكم الشرعي في ذلك؟ - نسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر على زوجك، ويلهمك حسن التصرف في معالجة المشكلة، واعلمي يا أختاه أن مشكلتك لها ثلاثة أبعاد: أولاً: أن الحال التي وصلت إليها العلاقة بينك وبين زوجك تحتاج إلى مراجعة شاملة لمعرفة الأسباب التي جعلت طريق التفاهم وحل المشكلات سلبياً إلى درجة الضرب والسب والشتم، فقد يكون بسببٍ منك في طريقة الحوار والتعاطي مع مطالبه، وقد يكون منه بسبب ضغط يتعرض له في العمل، أو ضائقة مادية، أو بفعل تأثير أناس من خارج العائلة، أو غير ذلك.. ثانياً: إن الله سبحانه وتعالى قد جعل الرجال قوامين على النساء فقال في سورة النساء: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، وواضح أن القوامة تعني قيادة سفينة الأسرة وإدارة شؤونها، بل وحمايتها من الأخطار والإنفاق عليها. وقد ذكر بعض المفكرين بأن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليست مجرد القيام بأمرها أو نهيها، وإنما الاهتمام بأمرها كله والنظر فيما يعنيها ويهمها من أمورها الحياتية والإنفاق عليها ورعايتها والقيام على أمرها في حلها وترحالها وصيانتها وحمايتها إن قُصدت بسوء، ورد الاعتداء الواقع عليها حتى تكون عزيزة كريمة ولا تكون مهانة ذليلة. ثالثاً: قد يقتضي الأمر اللجوء إلى الضرب التأديبي للزوجة حال نشوزها ضمن منهج إصلاحي تربوي، قال الله تعالى: "وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً" سورة النساء:34. وقد ذكر الإمام القرطبي المالكي في تفسير هذه الآية: قوله تعالى: (واضربوهن) أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً، ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرَّح. وقد ورد في ذلك أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح" رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من ضرب النساء، وقول الله تعالى "واضربوهن" أي ضرباً غير مبرح، ثم ساق البخاري بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم". وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان الباب: "فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يُباح مطلقاً، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم" فتح الباري 11/214. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا ضرب أحدكم، فليتق الوجه" رواه مسلم. والخلاصة أن القوامة تعني الرعاية وقيادة الأسرة، وقد يلجأ الزوج إلى الضرب التأديبي إذا نشزت امرأته، فحاولي أن تعالجي الأمر بحكمة وروية. والله أعلم.