بقلم: سمير عطا الله يعيش فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين أصعب أيام حياته منذ أن وصل إلى السلطة عام 1999 وتنقل بين رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية بالسهولة التي يتنقل بها بين غرفة النوم وغرفة الاستقبال: أوكرانيا ليست الشيشان لكي يمحوها، وليست في بعد سوريا لكي يتفرج عليها. إذا أردنا أن نعرف ماذا تعني له (وللكرملين) فلنعد إلى خطابه في (جويلية) الماضي: (لقد تبنى أجدادنا المشتركون الأرثوذكسية خيارا لروسيا الأرثوذكسية برمتها). كان الرئيس الروسي يتحدث في كييف. وفي (سبتمبر)، تحدث عن أوكرانيا فسماها (جارتنا وصديقتنا وشقيقتنا)، وأضاف: (نحن شعب واحد، ليس فقط ثقافيا وتاريخيا وفكريا، بل نتكلم لغتين متشابهتين أيضا). هذه الشقيقة والجارة والصديقة وضعت بوتين في أصعب موقف يمر به منذ عقد ونصف من السلطة المطلقة في الداخل، ومقارعة أميركا والغرب في الخارج. تجاوز بوتين أسلافه السوفيات في الفوز بالميداليات الذهبية والفضية. وبعكسهم، أقام علاقة تنسيق مع الصين، الخصم التاريخي. وبدل التردد الذي كانوا يمارسونه في مجلس الأمن، كلف سفيره لدى الأممالمتحدة مهمة واحدة: الفيتو، ثم الفيتو، ثم الفيتو. فجأة، ظهر العدو في عقر الدار. وعندما تحدث بوتين في الكرملين قبل أسبوعين، لم يلفظ أوكرانيا بالاسم، لكنه قال بوضوح: (ليس علينا أن نكون حذرين فحسب، بل أن نكون مستعدين لجميع التطورات). هل كان يتوقع تطورات في مثل هذه الخطورة؟ الرئيس الأوكراني يهرب، والبرلمان ينقلب، والشريك النووي والعسكري الأكبر يفلت من بين يديه، وكتاب الافتتاحيات في (البرافدا) يصرخون كل يوم: الأميركيون، الأميركيون؟ وكييف التي أرسل إليها قبل أسابيع قليلة 15 مليار دولار، تتطلع إلى أوروبا وتقول بأعلى صوتها: 30 مليار دولار على وجه السرعة وإلا دمرَنا الإفلاس التام. أزمتان عالميتان في حضن بوتين ووزيره. وأوكرانيا بكل وضوح، ليست سوريا. الغطرسة هنا قد تفجر شرايين كثيرة في روسيا نفسها وفي أوروبا الشرقية. وقد تفجر صراعا أوسع مع أميركا وأوروبا. وليس من السهل إطلاقا على القيصر أن يتراجع ولا أن يهاجم. إنها ساعة الحقيقة الكبرى بالنسبة إليه، وخصوصا، بالنسبة إلى وزيره متعدد اللاءات، الذي نسي أن الدبلوماسية اخترعت لكي تحل محل الحروب والمواجهات وتفاقم الأزمات. ولا هي مصلحة الغرب أيضا في الانقضاض على الدب المحاصر بجميع أنواع الخيارات الصعبة. ختمت مفرقعات سوتشي الضوئية المبهرة بصورة دب، هو رمز الصبر وتحمل الجليد وحياة القطب. لكن الخيار في أوكرانيا نار، أو نيران، تحرق أصابع الرجل التياه. هل تفيد أزمة كييف الحل في دمشق أم تزيد المأساة؟ الأرجح أن الدب الروسي عرف معنى الوجع. وربما يدفع سيرغي لافروف ثمن الخسارة والمأزق. * نقلاً عن (الشرق الأوسط) اللندنية