تأثر فنسان فان غوخ «1853- 1890» بالرسام الياباني أوتاغاوا هيروشيغه «1797- 1858»، أحد رموز الرسوم النافرة estampes في إمبراطورية الشمس المشرقة «إلى جانب هاكوساي وأوتامارو وهارونوبو»، تأثرا دفع برواق البيناكوتيكا بباريس إلى إقامة معرض مزدوج، الأول بعنوان «هيروشيغه : فن السفر»، والثاني بعنوان «فن غوخ : أحلام يابانية»، يضع لوحات التلميذ في مواجهة أعمال أستاذه، ويتواصل حتى موفى شهر مارس القادم.الطريف أن فان غوخ لم يزر اليابان إطلاقا، ولكنه اكتشف الفن الياباني بعد المعرض العالمي الذي أقيم في عهد نابليون الثالث، حيث دعي الأخ الأصغر ل»شوغون» ومعه أكثر من عشرة آلاف قطعة وآلاف من اللوحات اليابانية بيعت كلها عقب إنتهاء المعرض. وكانت فرصة لإدوار ماني… ودوغا وكلود موني وغوستاف مورو للوقوف على خصائص فن لم يألفوه، وكان للتقنية الفريدة في استعمال الرسم المنظوري perspective والتأطير ومقروئية الصور وكذلك التحام الفنانين اليابانيين بالحياة اليومية لمواطنيهم وبالمناظر الطبيعية لبلادهم أثر كبير في نفوس تلك الجماعة التي كانت تحاول التشكل في ما أصبح يعرف بالانطباعية.أما فان غوخ فقد دلّه أخوه تيو إلى رواق زيغفريد بون لبيع اللوحات الفنية، حيث اقتنى منها أعمالا أقبل على استنساخ بعضها مثل «شجر الخوخ المزهر» و»الجسر تحت المطر»، أو الاستفادة من تقنيتها الفريدة كما هو الحال في لوحته الشهيرة «بورتريه الأب تانغي». وقد بلغ به شغفه بالفن الياباني أن لجأ إلى أرياف مدينة آرل بالجنوب الفرنسي بحثا عما يذكر بالمشهد الياباني، حيث الضوء والدفء وخضرة المروج وبهجة الأزهار. هناك وجد ضالته حيث كتب لأخيه قائلا : «معادل اليابان هو جنوبفرنسا Le midi. هنا مستقبل الفن الجديد.»هناك صار يحلم باليابان حدّ الوله، ويستحضر أعمال هيروشيغه الذي اهتم برسم مناظر كان يتوقف عندها في محطات ارتحاله وهو ما عرف بفن السفر، متنقلا من كيوطو إلى إيدو « الاسم القديم لطوكيو»، متوقفا في تسع وستين محطة تعادل أعماله المعروضة، مرورا بتوكايدو التي خلد محطاتها في ثلاث وخمسين لوحة. هذا بالرغم من أن هيروشيغه نفسه لم يقم بالرحلة الأخيرة، بل استند في رسم أعماله التي تتجلى فيها الثلوج والأمطار والقمر على أكمل وجه إلى خياله الخصب، وكذلك إلى دليل سياحي واسع الانتشار في يابان القرن التاسع عشر.