بين كل شجرة وشجرة من معرض جهيدة هوادف، الذي يقام حاليا بقصر الثقافة، توجد شجرة، وفي هذا استعانت فنانتنا بذكريات الطفولة لكي ترسم لنا أربعين لوحة عن الطبيعة الهادئة الملونة، فعادت بذهنها إلى نقاوس، مسقط رأسها بحثا عن الجمال وهروبا مما أصاب الطبيعة من إهمال وتلوّث كبيريّن. وفي هذا السياق، قالت جهيدة ل''المساء'':''أعشق الطبيعة وهو ما يظهر في كل عمل أقوم به، كما أنني أعبّر عن هذا الوله باستعمالي لألوان كثيرة وهذا لكي أخرج في الأخير بمنظر طبيعي خلاب'' وتضيف:''أريد من خلال الفن أن أجسّد جمال الطبيعة التي أنشأها الله رغم كل مصابها وأن أؤكد ضرورة الحفاظ عليها لأنها من خلق الله، فالعناية بها أمر في غاية الأهمية''. ولكن الطبيعة ليست هادئة وجميلة في كل الأوقات، بل حتى إنها تغضب كثيرا في الأيام الأخيرة، وما زلزال اليابان الأخير والتسونامي الذي أعقبه خير دليل على ذلك، فلماذا تهرب جهيدة من هذه الحقيقة وترسم الطبيعة في كل هدوئها؟ تجيب جهيدة أنها لا تحب رسم الطبيعة الصاخبة لأنها تبتغي دائما من وراء رسوماتها هذه إعادة المناظر الطبيعية المخلّدة في ذاكرة الطفل الذي يقبع في أعماقها على السطح، معتبرة أن اعتمادها على النظام والترتيب في رسوماتها، لا يعني أن كل الأمور تسير على ما يرام بل هو طريقتها للرسم والتعبير عن خوالجها. أما عن التنويع بين الواقع والخيال، فقد رسمت الفنانة شيئا من الطبيعة المجسّدة في هذا الخلق وأشياء من مخيلتها، ففي حدائق جهيدة مثلا تكثر الأشجار من كل نوع، فها هي شجرة قد تبدو لنا عادية بأوراقها الخضراء وأغصانها المتدلّية، وأشجارا أخرى من خيال فنانتنا رسمتها بطريقة مميّزة وتحمل ألوانا مختلفة، وكأنها نبتة كبيرة من ثلاث ورقات بألوان عديدة كالأزرق والبنفسجي والبني والأحمر ومرسومة فيها نقاط تدل على الأوراق. وفي هذا تقول جهيدة:''رسم الواقع كما هو أمر جميل، ولكن الأجمل أن نرسمه كما نراه نحن نعتمد على ذاكرتنا وتجاربنا في الحياة وكذا على أحاسيسنا. وقد أردت أن أرسم الشجرة التي لها عدة دلائل، فهي ترمز لأصل الإنسان وكذا لعلاقته بالخالق لهذا أنا أرسم الأشجار بشكل أفقي وكأنها مخلوقات إنسية تحاول أن تترفع عن نسبية الدنيا نحو الأفق حيث الروح والخالق. نعم، في عالم جهيدة الشجرة هي الإنسان، وفي هذا عبرّت من خلال لوحاتها هذه عن نفسية الإنس وتغيراتها، فبكى الإنسان في لوحة ''دموع شجرة الاسفندان''،إلا أنه رقص في لوحة ''رقصة الغابة''، وهكذا كان الإنسان حاضرا في أعمال جهيدة ممثلا بالأشجار. بالمقابل، قصة جهيدة مع الألوان تعود إلى زمان، فهي دائما تستعمل في لوحاتها الكثير من الألوان ويأتي في مقدمتها اللون الأزرق واللون الأخضر، اللذيّن يمثلان الطبيعة بحق، وظهر عشق الفنانة بالألوان بطريقة جليّة في لوحة ''التحلّل اللوني'' الذي استعملت فيه الكثير من الألوان بطريقة متناسقة، وعبرّت فيها عن حبها للبساتين والحقول التي يقسّمها الفلاح حسب نوعية المنتوج وبطريقة مرتبة حقا. وفي هذا السياق، تقول جهيدة إن الجزائر بلد غني بالألوان فحرام أن لا يتم التعبير عن هذا الجمال في الفنون وفي مقدمتها الفن التشكيلي. مضيفة أنها تستعمل الألوان بطريقة عفوية فلا يعني اللون الأخضر الطبيعة ولا اللون الأصفر الشمس بل الألوان تفرض نفسها كما تريد وفي أي موضوع تبتغيه. أما عن اختيار الفنانة لعناوين لوحاتها فلا يتم إلا بعد أن تنهي جميع لوحاتها ومن ثمّ تعيد مشاهدة الصور التي التقطتها لأعمالها ومن ثمّ تأتي العناوين بطريقة عفوية ولا تعني ترجمة حرفية للعمل بل قد تعني أمورا أخرى تدخل في خانة اللاّشعور. وعن كواليس العمل الفني، كشفت جهيدة أنها لا تخطط لموضوع محدد في عملها ولا يمكن أن تفسر كنهه، بل هو كالشلال يتدفّق كيفما يريد، مستطردة قولها أنها بعد الانتهاء من كل لوحة تطرح على نفسها هذا السؤال:''هل أنا التي صنعت هذه اللوحة؟''وهذا باعتبار أن العمل الفني هو الذي يتحكّم في الفنان وليس العكس. بالمقابل، رفضت جهيدة أن تعرض لوحاتها التي أتمتها سنتيّ 2006 و,2007 بأي طريقة كانت بل أصرّت أن تعرض لوحاتها هذه في رواق مشرّف وبكتالوغ يخلّدها، ولهذا صبرت كل هذه المدة ليكون الخلاص على يدي وزارة الثقافة في هذه السنة بمعرض في قصر الثقافة لتعرض لوحات معرضها ''الشجرة'' والتي تعتبرها جهيدة كبناتها ولا يمكن التفريق بين واحدة وأخرى، أبعد من ذلك فهي في كل مرة تشاهد لوحاتها ترى الجديد فيها. في إطار آخر، يكتشف زائر معرض جهيدة، مدى أهمية الألوان وجمال الطبيعة في إراحة النفوس من جهة وتنشيطها وإضفاء الحيوية عليها من جهة أخرى، ونذكر لوحات ''عدد لا يحصى من البذور المتأثرة بوميض النار''، ''محيط خريفي''،''رائحة الحنة''، ''زرع''، ''التحولّ البركاني''، ''عندما ترتجف الورق، ليس قضية الجذور'' وهي تعنى بمثل لفول يوسانكا و''بسكرة الجميلة'' التي قالت عنها جهيدة إنها تأثرت كثيرا بهذه المنطقة التي زارتها أكثر من مرة.