لا يزال فنانو الشعبي بعنابة يبحثون عن مكانة "رسمية" لهم تثبت تواجدهم وتعمق صلتهم بالجمهور رغم ما حققه هذا الطابع من نجاح على مر عشريات من زمن تواجده على يد رائده وشيخه الحاج امحمد العنقى وما حققته مدرسته من تحديث في القصيد والموسيقى العربية من خلال آثاره الأدبية وتعاليمه المعرفية لتلاميذه . وتعد عنابة عاصمة للشعبي رغم مقاربة العديد من الفنانين والمهتمين بفن الشعبي بينها وبين العاصمة في محاولة لترتيب مكانة لها غير أن هناك من يعتبر ذلك غير منصف للفن ذاته متخلين عن أسلوب الترتيب معتمدين على كمالية الحركة الفنية لأغنية الشعبي على المستوى الوطني ..دون نسيان ما تقدمه منذ سنوات للمجتمع العنابي لأنها نبعت منه فهي منه وإليه وحتى نجاحها أو تطورها يحسب عليه.وحتى نتفاعل مع هذه الطرحات إلتقينا ببعض الفنانين على هامش تظاهرة أيام الشعبي لمدينة عنابة المختتمة منذ أيام بمسرح الهواء الطلق ممن لهم باع في هذا المجال لنناقش هوية اغنية الشعبي ومنبع انحدارها وأهم الأصوات الفاعلة وهل مازال الشعبي كطابع فني يحظى بإهتمام وهل هو بحاجة إلى امكانيات خاصة حتى يشيع سيطه الى حدود أبعد. الشعبي وليد الأحياء الشعبية لذلك حمل إسمها أكد مطربي الشعبي الذين إلتقينا بهم أن منشأهذا الطابع الفني هو الأحياء الشعبية لذلك حمل اسمها بعد ان تبنته بعيدا عن الصالونات والقاعات الفخمة وحوطته جميع طبقاتها ونخبها بالإعتناء والقبول نظرا لاحتوائه على قيم الحكمة والإرشاد والدعوة الى الإصلاح والتسامح بين الناس فمن المديح الديني والصلاة على الرسول الكريم الى ذكر صفات الله الجليلة وحتى عند تناوله مضامين اخرى كالغزل والهجاء والرثاء يقدم الشعبي تعاريف جديدة لهذه المضامين ويرشد المولوعين والتائهين الى الطريق الصحيح ما جعله يؤسس قيمة فنية راقية متناولة لدى جميع النخب فالشعبي كما صرح شيخ المدينة ابراهيم باي الفن الوحيد الذي تستطيع سماعه عائلة كاملة دون احراج.من جهة اخرى اكد المطرب ابراهيم حجاج أن الشعبي في عنابة اكتسب شعبيته من الأحياء القديمة مثل لابلاص دارم ولاكولون و برمة الغاز والمحافر لاسيتي اوزاس وحوط بشكل شجع مطربي الشعبي على التفعيل الفني من خلال تنظيم جلسات موسيقية وتدريبات وتلقينات على العزف والآداء .هذا وقال المطرب حسان عبدلي الذي نشط سهرة استثنائية ان الشعبي في عنابة يحظى بمكانة خاصة فهو رفيق الصيادين والحرفيين وابناء الاحياء الشعبية حتى انه لايزال حتى يومنا هذا قريبا من قلوبهم وافراحهم بل لطالما احيا السهرات والليالي الملاح فإرتبط مع عاداتهم وتقاليدهم. وغير بعيد عن دور الشعبي في ترسيخ ثقافة مترابطة بين افراد المجتمع الواحد التقينا ايضا بالشيخ رحيم وهو احد الممارسين للقصيد وموسيقى الشعبي واكثر الفنانين أحياء للاعراس والافراح ونوه لدور هذا الطابع في نشر قيم اخلاقية وقدرته على خلق طقوس الاستماع والاستمتاع في نفس الوقت واصفا اياه بالفن الساحر . أما كادار باي وهو شقيق شيخ المدينة إبراهيم باي فتطرق الى مراحل أغنية الشعبي وأكد أن انطلاقها كان قبل الاستقلال لكنه تبلور وشهد نضوجا من حيث اللغة والموسيقى وشاع سيطه وتربت الآذان على صوت رائدها وشيخها الحاج محمد العنقى والعربي بن سايب والشيخ عبد السلام مبروك والشيخ قريقرة وبشير جونغابا الى ان برزجيل ثان من بينهم الشيخ خروف و رشيد بابا عيسى وإبراهيم باي وابراهيم حجاج والشيخ رحيم وحسان عبدلي ومحسن بن غرسة سمح ببروز أجيال أخرى على غرار مراد رميتة ومراد عبيدة إلى جانب أصوات غنية ومتشبعة باصول الغناء والأداء الشعبي لم يغادر مساره الذي رسمه الشيوخ الأوائل وعنابة مدينة تستحق الريادة أما بخصوص تمكن الأجيال التي تخرجت من مدرسة العنقى من الحفاظ على النسق الأول لمسار أغنية الشعبي الذي رسمه روادها فقد أكد المطرب المعروف كمال بورديب في تصريح خص به آخر ساعة في ندوتها عن طابع الشعبي أهمية المكانة التي صنعتها عنابة بالمقارنة مع ولايات أخرى رافضا أن يرتبها في قائمة معينة انطلاقا من رفضه القاطع لمنهج التقسيم أو التخصيص مذكرا أنها تتكامل مع المدن الجزائرية التي تهتم أكثر بهذا الطابع على غرار العاصمة وبجاية ومستغانم دون أن ينفي مدن أخرى تتقبل فن الشعبي والدليل على ذلك نجاح سهراته والمهرجانات المخصصة له في ولايات أخرى تختلف في ذوقها مع ما يقدم لها . الجيل الثالث من مطربي الشعبي بعنابة يعتبر السلطات المعنية مقصرة في حقه اعتبر الجيل الثالث من مطربي الشعبي بعنابة من بينهم الشيخ مراد عبيد السلطات المحلية في السنوات الماضية قد قصرت في حقه تقصيرا واضحا بدءا بتغييبها لفنانيه في عدة مناسبات وعدم تخصيص تظاهرة ترصد تطوره مثله مثل باقي الطبوع متسائلين عن قيمته الفنية التي تغيب هي الأخرى في الأوساط الشعبية النابع منها لاعتباره فنا مربيا وموسيقاه مهذبة للأذواق وطرحوا في نقاشهم لواقع أغنية الشعبي بعنابة وآفاقها مشاكل عدة كإصدار الألبومات وتوزيعها ونقص الدعم المالي من طرف الجهات المعنية مصرحين انه لولا الأعراس والحفلات الفنية في بلديات وولايات مجاورة لعنابة لكانوا في النسيان .من جهة أخرى تحدثوا عن استغلال بعض المنتجين والموزعين والحقرة التي يواجهونها من طرف الوزارة المعنية بعد تغييبهم من تظاهرات وطنية ودولية رسمية دعيت إليها أسماء لا علاقة لها بالفن أو الثقافة . من جهة أخرى طالبوا بضرورة ترسيم أيام عنابة لفن الشعبي وأكدوا على تنظيم لقاءات وتسهيل التعاون بين الفنانين والوزارة المعنية وتنظيم ورشات لتكوين أصوات جديدة وتدريبها على أداء القصائد مشيرين إلى هواته ممن لهم مواهب في الكتابة والعزف مؤكدين عزمهم على التعاون لتطبيق ذلك .